عشر سنوات مرت على قرار العدوان الغاشم الذي اتخذه الرئيس الأمريكي جورج بوش الصغير وقليل من المحافظين الجدد المنتشرين ليس على الأرض الأمريكية الشمالية فحسب، بل وفي ربوع القارة الأوربية واعوان المحافظين الجدد من اللاعبين الدوليين الجدد على الأرض العربية الذين ما كانوا يحلمون بدور يناط لهم من قبل القوة العظمى الولايات المتحدة الأمريكية في ظل وجود دول اقليمية كبرى احتكرت السيطرة على الأقليم ومقدراته واحتكرت تمثيل الاقليم امام ولدى الولايات المتحدة الأمريكية للأربعة عقود الماضية. مر هذا العقد من الزمان والعالم اليوم اقل أمانا بعد إحتلال العراق، والأقليم النفطي الذي لطالما تبجح الرأسماليون باهميته اصبح اكثر عرضة للخطر بعد زوال القوة الاقليمية الموازنة في المنطقة. العراق اليوم دولة خاسرة وفاشلة. ومحيطها العربي اكثر قلقا من ذي قبل عندما كان يعلن بعض قادة الأقليم النفطي ان وجود النظام العراقي خطر على أمن الأقليم. تصل امتدادات فوضى العراق اليوم الى وسط السعودية والكويت والى اقصى البحرين، والى عمق الأردن وسوريا الجريحة ولبنان. لا تستطيع اي من حكومات هذه الدول على الأقل ادعاء الأستقرار. البحرين اليوم دولة ممزقة لا يمنع اضمحلالها الا التواجد السعودي على اراضيها. الكويت دولة العشرين حكومة في السنة الواحدة ثلث اعضاء برلمانها من الأيرانيين او ممن والاهم، وثلثهم الآخر لا يخشى اظهار تطرفه المذهبي. السعودية امل الخليج دولة شاخت تعاني الأخرى مما جلبته ايدي بعض علمائها من تطرف، لا تنفك تهدأ احدى قضاياها الساخنة لتظهر اخرى. الأمارات وقطر احداها تدعم الأخوان المسلمين والأخرى تحاربهم، فالأخوان هنا بين مطارد او مكمم، وهناك هو داعية وامام مسجد ورئيس مركز دراسات وما اكثرها اليوم في قطر. ولم تستثن اي من هذه الدول من ريح الربيع او الأشتباك العربي. الشام يبكي من جراء مأساة قلبه في دمشق، فلبنان المحصص طائفيا وعرقيا ودينيا غائص اليوم في مأساة سوريا حتى عقبيه. والأردن تترنح بين مشاكل داخلية اقتصادية عميقة كان العراق قبل احتلاله سبيلا لحل اغلبها، وبين دور خارجي يراد لها ان تأخذ به ولا تقوى عليه، معادلة صعبة تلك التي يراد للأردن ان يحلها. فلسطين ازدادت فرقة فمن قطعتين احداهما محتلة والأخرى تحت ادارة السلطة ولكن شبه محتلة، الى ثلاث قطع واحدة لفتح واخرى لحماس ويسيطر الكيان الصهيوني على الجزء الأكبر. مصر، اعان الله اهلها، مخاض ديمقراطية صعب لا يحل مشكلاتها الأقتصادية المزمنة. سُرِقَ دورها التاريخي من قبل دول اصغر من احدى اصغر حاراتها، تلتجيء اليوم الى ايران بعد ان ساومها العرب الأغنياء على كل جزء من مصالحها. ايران اليوم دولة اكثر شراسة من ذي قبل، ولكنها اكثر هشاشة، تشعر بالخطر الأمبريالي الشديد الذي قد يهاجمها في اية لحظة فلذلك نراها ترمي كل الخطر على من جاورها أخذا بالمقولة "من قاتل على ارضه فقد هزم"، وهي على ذلك لن تقاتل عدوها على ارضها بل على ارض العرب، اولا، ارضاءا لرغبتها التاريخية في السيطرة على هذه الأرض، وثانيا، لانها تريد ان تقول للغرب المستأسد إن اي اعتداء على ايران سيعود وبالا على كل مصالحكم التي احتليتم العراق للحفاظ عليها. وهي لا تنفك تذكر من لا يريد ان يتذكر، امريكا وحلفاءها من الغرب والعرب إنه لولا ايران لما كان يمكن ما كان من احتلالٍ لبغداد وكابول. وهي تنشر اليوم نارها شمالا وجنوبا، شرقا وغربا. وتركيا التي تمسك العصى من الوسط في كل قضاياها، فهي تقاتل المجموعات الكردية في جنوبها لكنها تقيم علاقات حميمة مع ابناء عمومتهم في شمال العراق. تقود علنا دعما دوليا واقليميا من اجل نصرة الجيش الحر في سوريا لكنها لا زالت تحتفظ بمشاريع بمليارات الدولارات في العراق، وحكومته الداعم الأساس لحكومة الأسد. وفيما يخص كل قضايانا العربية فأن تركيا على استعداد لأستخدامها ادوات تفاوض بها مقابل توفير عناصر استقرار تركيا. ليس الأقليم النفطي فحسب قلق من وضع العراق الداخلي، بل امتد خطر العراق الى كل ما حول الأقليم واصبح وضع العراق اليوم خطر على الأمن والسلم الدوليين من خلال انتشار الأرهاب في ظل دولة ترعى وتدعم الميليشيات. العراق اليوم مرتع لكل مافيات الجريمة في العالم، فيه ينتهك القانون الدولي يوميا وتخرق كل قوانين ومواثيق حقوق الأنسان الأسمية. كل شي مباح وكاتم الصوت احدى اهم وسائل التخلص من المعترضين على سياسات الحكومة. في العراق اليوم يُقتل العلماء والاطباء والقضاة والمهندسين والأساتذة الجامعيين بالجملة. ويراد للعراق التقسيم، الجنوب العراقي حيث السهل الرسوبي وعين على الخليج العربي وحارس الأمة مسيطر عليه ايرانيا بالكامل من خلال ادوات ايران من ميليشيات وقطاع طرق وقتلة واحزاب عملت لأجندة الأجنبي لعشرات السنين قبل ان تمنحها امريكا فرصة اقتحام الباب الحديدي الذي كان يحمي العراق والأمة لمدة ازدادت على الثمانين عاما منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة في السنة الحادية والعشرين من القرن العشرين الى يوم احتلال العراق في التاسع من نيسان من العام الفين وثلاثة. والشمال العراقي "كردستان العراق" وفيها جبال العراق الغنّاء امانة لدى اهلها تعيش اليوم في غربة عن الوطن المذبوح ليس بسبب آمال الكرد التاريخية بوطن مستقل، والتي وصلت عشية هذا القرن الى طرق غير سالكة بسبب ظروف الكرد في المنطقة خاصة وبسبب الظرف الدولي المحيط بالمنطقة عامة، وانما بسبب حماقة القائمين على الأمور في بغداد وحكومتها المركزية التي ما فتأت تستخدم الأساليب الأستفزازية لتطفيش الأخرين ودفع الناس خارج الأطار الوطني. ليست حماقة سياسية فقط تلك التي توصف بها سياسات الحكومة الخامسة بعد الأحتلال وانما هي سياسات أمليت عليهم من المحتل الثاني للعراق حيث ينتمي اغلب اعضاء الحكومة العراقية. فترنحت سياسيات حكومة الشمال العراقي كردستان العراق من مؤيد لسياسة الأحتلال في بدئه الى تحالف مع الأحزاب السياسية الدينية ذات العرق الأيراني لتترك معارضتها الأسلامية تتحالف مع الحزب الأسلامي العراقي حليف الولايات المتحدة الأمريكية وصديق ايران والشريك بالعملية السياسية العرجاء في الحكومة المركزية. هذا الخلط بالأوراق لم يؤتى اكُلُه، اذ لم تنفع كل تلك التحالفات حتى الآن لأن تأتي على الأقل بنسبة السبعة عشر بالمائة من الميزانية التي وُعِدت بها كردستان العراق من قبل الدستور الذي كتبه نوح فريدمان الأمريكي اليهودي. بل ان الأمور بدأت تسوء اكثر فاكثر لتصل الى المواجهة السياسية بين حكومة اقليم كردستان والحكومة المركزية في بغداد، واصبحت المواجهة العسكرية من ضمن الخيارات المطروحة. والوسط العراقي وقلبه بغداد وهو مقسم عن مقسم، فمع كل مساوئ التقسيم في الشمال والجنوب لكن الخروقات لحقوق الأنسان العراقي هناك تسجل معدلات اقل منها عما يحدث في الوسط حيث تختلط القوميات والطوائف. ومع تدخل حكومات ما بعد الأحتلال المتتالية بديموغرافية الوسط لتصل لتقسيم الوسط نفسه ثم تقسيم قلبه بغداد الى مناطق بحسب الطائفة والقومية والدين، ورأينا لأول مرة التهجير الشيعي والسني في مناطق بغداد، لتصبح بعضها سنية فقط او شيعية فقط، ورأينا كيف ان المتحالفين في حكومات الأحتلال ليس لهم ذمة ولا عهد، فبعد الخلاف بين احزاب حكومة كردستان والحكومة المركزية كان شعبنا الكردي اول الخاسرين، لاسيما اولئك الذين يسكنون بغداد لعشرات السنين، بل وبما يزيد على القرن من الزمان، ودليلها عندما بدأت ميليشات الحكومة المركزية وقواتها الرسمية بتهديدهم وتهجيرهم مع استمرار حكومة كردستان مخالفتها لقرارات المركز التهميشية. اثبت الدستور المسخ وبمجموعة معوقات الوحدة الوطنية التي وضعها نوح فريدمان ان المهم ليس ان يكتب دستور فيه تثبيت الحقوق والواجبات للوطن وحكومته، وانما الأهم ان يكون هذا الدستور وطنيا من النية في كتابته الى تشكيل لجنة صياغته الى اخذ رأي الشعب عليه من خلال استفتاء حقيقي، ليس تحت حراب المحتل وقواته وميليشياته واعوانه وعملائه، كما حدث مع الدستور العراقي الحالي. المهم ان الدستور ينبغي ان يصمم ليعكس ارادة المواطنين وليعكس عمق تاريخ الأرض التي يعيشون عليها والحضارات التي بنيت فيها. ويفترض ان يعكس دستور الدولة الرغبة في التآخي تحت ظل علم واحد، ونظام واحد، وحكومة واحدة مهما كانت الحكومة، مركزية او لا مركزية، فهذه امور ثانوية وادارية. دستور لا تكتب فيه كلمة اجتثاث ولا تهجير ولا توجد شريحة تفرح بنصوصه واخرى تحزن، فيه المواطن اسمه مواطن عراقي وليس باي اسم جزئي مهما كان مفرحا ومفخرة لحامله. دستور لا يذكر تفصيلات الاحتفالات الطائفية وانما يكتفي بان يحفظ لكل ابناء الطوائف والقوميات حقوقهم الدينية. دستور يحمي حقوق التدين ولا يسمح باستخدام الدين والأفكار الطائفية للنيل من الآخر. دستور يمثل الجميع، يلجأ اليه الجميع عندما تظلمه سلطة من السلطات. حكومة العراق العميلة اليوم فقدت بوصلتها، لأن البوصلة التي اعارها لها المحتل انتهت صلاحياتها. حكومة اليوم بلا بوصلة ولا اولويات. تعاند الشعب وترفض مطاليبه، تعتقل نساءه وارامله قبل رجاله. حكومة العراق اليوم تخطت ارقام قياسية كثيرة، منها حجم السرقات التي لم يسبق لها مثيل، وحجم الفساد والرشوة. شعب بلا ماء ولا كهرباء لمدة عشر سنوات وهو يمتلك احتياطي طاقوي لا ينفد لمدة اربعمائة عام قادمة. شعب العراق اليوم يموت بابسط واخبث الأمراض وهو صاحب اعلى مؤشر "طبيب-مواطن" مقارنة بشعوب المنطقة. حكومة تمارس القتل الجماعي بأسوء مما مارسه الكيان الصهيوني ضد اهلنا في فلسطين ولبنان. رئيس الحكومة في العراق اليوم صاحب اكبر حقيبة وزارية بالتاريخ فهو فضلا عن ترؤسه لمجلس الوزراء فأنه القائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع ووزير الداخلية والمشرف المباشر على الأمن القومي وعلى هيئة النزاهة وهيئة المساءلة والعدالة، والمحافظ الفعلي للبنك المركزي. واخطر رقم قياسي تجاوزته الحكومة العراقية هو عدد القتلى من مجهولي الهوية المرميين في الشوارع الذين يزداد عددهم كلما شعرت الحكومة بحرج مع من انتخبها. هل بعد ذلك قول في ان العراق والمنطقة اليوم اكثر امنا من ذي قبل !!