المرشح الأوفر حظاً لخلافة خامنئي في الدولة الإيرانية العميقة (2) أ.د. مؤيد المحمودي الخلافة على منصب المرشد الأعلى إن طريقة صعود رئيسي قبل ثلاث سنوات إلى منصب الرئاسة في انتخابات شابها الكثير من الشكوك حتى سميت بالمزيفة لأنها أقصت مسبقا المنافسين له من الإصلاحيين والمعتدلين. لكنها اعتبرت ضرورية لتوطيد السلطة في أيدي المحافظين المتشددين الذين ينتمي إليهم رئيسي، والمعروف بكونه من تلاميذ خامنئي وآراءه كانت ترديداً لآراء المرشد الأعلى في كل قضايا الحكم بإيران. لذا حرص رئيسي على تنفيذ سياسات المرشد الإيراني التي تستهدف ترسيخ سلطة رجال الدين، وقمع المعارضين، وتبنى نهجاً متشدداً في القضايا السياسة. وأثناء ولايته الطويلة في القضاء كان رئيسي ينفذ سياسة خامنئي القمعية دون تردد، ومنها تورطه في عمليات الإعدام الجماعية للمعارضين عام 1988 التي استهدفت نحو 3800 سجين سياسي معارض فلُقب على أثرها بـجزار طهران. وخلال فترة توليه منصب الرئاسة تعامل رئيسي بقسوة مع الاحتجاجات الواسعة التي صاحبت مقتل الشابة مهسا أميني على يد قوات مكافحة الشغب، وتفاقم الأزمة الاقتصادية في البلاد. وعلى ضوء هذه الخدمات العديدة التي قدمها للنظام ودرجة تقربه من خامنئي كان هناك اعتقاد سائد لدى العديد من المحافظين في إيران بأن رئيسي يمتلك حظوظا كبيرة في الجلوس على كرسي المرشد الأعلى في حالة فراغه، حتى جاءت حادث سقوط طائرته لتسدل الستار على هذه الفكرة الطموحة. وعلى الرغم من ورود بعض الأسماء البارزة الأخرى لكونها مقربة من خامنئي أو لأنهم رجال دين معروفين أمثال صادق آملي لاريجاني رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام، ورئيس الجمهورية السابق حسن روحاني إلا أن معظم المراقبين لا يعتقدون أن أحداً منهم يمتلك المقومات التي تجعله خليفة محتملا لمنصب المرشد الأعلى نظراً لعدم حصولهم على تزكية مجموعة المتشددين في النظام الإيراني. أما خامنئي نفسه فهو لم يعلن صراحة عن دعم خليفة معين له حتى عندما كان رئيسي على قيد الحياة، وقد تزامن هذا الموقف مع تحجيمه لسلطات بعض رجال الدين المشهود لهم بالاجتهاد الفقهي والذي فسر على أنه محاولة من خامنئي لتقليص فرص الخلافة له. وقد تكون هذه الضبابية حول موضوع الخلافة مقصودة من قبل خامنئي لخلط الأوراق واضعا نصب عينيه أن من يخلفه في هذا المنصب يجب أن يكون من الدائرة الضيقة المحيطة به كي يواصل نهجه المتشدد ويلتزم بحماية مصالح الدولة العميقة. وفي نفس السياق نشرت صحيفة الفايننشال تايمز البريطانية مؤخراً تقريراً أشارت فيه إلى تداول اسمين لخلافة خامنئي حال وفاته: الأول كان أوفر حظاً هو الرئيس الذي لقي مصرعه ابراهيم رئيسي، والثاني هو نجل المرشد الأعلى مجتبى. لذا فإن وفاة رئيسي، سواء كان الخيار المفضل لخلافة خامنئي أم لا، يعزز موقع البديل لنجل المرشد الإيراني. وفي خضم قلة الخيارات المتاحة فان بعض المجتهدين يعتبر مجتبى الخيار الحتمي المفضل عندما تنضج الظروف الملائمة بحيث يصبح مجلس الخبراء وهم من المحافظين الموالين لخامنئي مضطرين لتقبل قرار ترشيحه كأمر واقع. خاصة إذا جاء هذا الترشيح مدعوما من قبل الحرس الثوري صاحب القرار الفصل في هذا الموضوع والذي تربطه علاقات متينة مع مجتبى، ومجتبى هو الأبن الأوسط لأربعة أولاد لخامنئي، لكنه الوحيد الذي هيأه والده للانخراط في العمل السياسي الإيراني. فبعد دراسته الثانوية اتجه نحو الدراسة العسكرية من خلال التحاقه بفيلق محمد رسول الله الذي بات رجالاتها اليوم قادة في الحرس الثوري الإيراني وهم حالياً يحيطون بمجتبى من كل جانب. ورغم أنه لا يمتلك في الوقت الحاضر وظيفة محددة لكنه يشرف على مكتب المرشد الأعلى وعلى إمبراطورية المال التي تعود لوالده. ولم يظهر له دور سياسي مهم الا في الانتخابات الرئاسية التي حصلت عام 2005 عندما نجح في اقصاء الاصلاحيين كروبي ورفسنجاني رغم كونهم كانوا متقدمين في الاصوات من أجل تفضيل على نجاد المحسوب على المحافظين. وعلى أثرها اشتكى كروبي لخامنئي من تدخل ولده في تلك الانتخابات إلا أنه لم يحرك ساكنا. وظهر اسمه ثانية عام 2009 عندما أشرف بنفسه على قمع الانتفاضة الشعبية داخل إيران. ومنذ ذلك الحين يتردد اسم مجتبى كرجل الظل أو الحاكم الحقيقي لإيران من خلال عباءة والده، وأصبح المتنفذ الأكبر في الدولة وصاحب العلاقات الوطيدة مع قادة الحرس الثوري الايراني والأجهزة الأمنية. بما في ذلك اشرافه على علاقة الحرس بالفصائل المسلحة في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن. وترتبط بمجتبى قضايا فساد مالية مثبته في الداخل والخارج الايراني منها تهريب مخدرات للحصول على أسلحه وتورطه في شحنة ذهب مهربة الى تركيا تقدر بعشرة مليارات دولار. وقد أقر أحد المرشحين للرئاسة عام 2008 واسمه حسين موسوي أن خامنئي يعمل على توريث ابنه مجتبى لمنصب المرشد الأعلى والعمل على اعادة حالة التوريث التي كانت قائمة زمن الشاه. خاصة وان الدستور لا يقف في طريق مجتبى لتحقيق هذه الغاية بعد الاستفادة من نفوذه الكبير في مجلس صيانة الدستور ومجلس الرئاسة والحرس الثوري. ومن أولى إشارات مجتبى في السعي للقفز على الحكم كبديل لوالده هو استحصاله على لقب المجتهد الديني آية الله في عام 2022 من قبل المؤسسة الدينية الإيرانية كمحصلة لخبرة 13 عاماً في اعطاء دروس متقدمة عن مبادئ الفقه الاسلامي في قم، بالرغم من تشكيك العديد من علماء الدين على أنه غير مؤهل لإعطاء مثل هذه الدروس. لكنه حتما سوف يستغلها كأحد الخطوات الضرورية لتوريث منصب المرشد وليتجنب الوقوع في نفس الاشكالية الدستورية التي وقع فيها والده عام 1989. وبالتالي إذا اضطرت الظروف خامنئي أن يخرج من الباب فسوف يكون هناك خامنئي أخر جاهز للدخول من الشباك لملء هذا الفراغ. أما الذين يشككون في امكانية تحقيق هذه الخلافة اما بسبب عوائق الخلفية الدينية المحدودة لمجتبي أو لعدم ورود ظاهرة التوريث في الخلافة للمرشد سابقاً، فإنهم يتجاهلون حقيقة مهمة وهي عدم وجود قواعد دستورية ثابتة في الدولة الإيرانية العميقة، بما في ذلك إباحة المحظورات إذا اقتضت الضرورة ذلك، ولأن الابن على سر أبيه فهو لن يوفر جهداً للسعي إلى تجيير كل أجهزة السلطة من أجل تحقيق هدفه في الوصول إلى منصب المرشد الأعلى، مقتديا بذلك من مسيرة والده المشبوهة لبلوغ هذه الغاية.