غزة بقعة الضوء في الظلام الذي يسود الأمة. الدكتور غالب الفريجات يبدو والعلم عند الشعب العربي من الخليج العربي إلى المحيط الأطلسي أن نظامنا العربي الرسمي يعشق الذل والمهانة، وأن واحدة من أساسيات بقائه ان يكون هكذا، وأن شعبنا العربي بات قطاع واسع منه يعشق سياسة القطيع التي يمارسها النظام، "أسد علي وفي الحروب نعامة "، وما يجري على ارض غزة يعود في تخاذلنا عن التخندق في خندق المقاومة، هو لهذه السياسة التي تمارس علينا أنظمة وشعوب، وهو ما يعني الحاجة لثورة بيضاء تطال كل مفصل من مفاصل حياتنا منذ اليوم الأول الذي نرى فيه النور حتى اليوم الذي تدفن فيه اجسادنا تحت الارض، فهل نرى تباشير هذه الثورة في بنادق المقاومة على ارض غزة العز، التي كشفت عرينا، وفضحت عهرنا، ووضعت المخرز في عيوننا، أنظمة وشعوب؟. بقعة الضوء على أرضنا باتت في غزة في وسط الظلام الدامس الذي يلفنا جميعاً، حكومات وشعوب وتنظيمات مهنية وسياسية، مدارس وجامعات، وأماكن عبادة، حتى بتنا نعيش بلا فضاء، وكأن نهارنا قد طمس ضوؤه، وأنفاسنا قد كتمت، وجوارحنا قد تعطلت عن الحركة، بتنا أمواتاً نمشي على الأرض، وكأن الأرض لا تعبأ فينا، ولا تشعر بدبيبنا عليها، فقد خفت موازيننا، لأن قيمة الموازين بثقلها، وحجم الفعل الجيد فيها. أمة نسيت حاضرها وتتغنى بماضيها، وما عاد سلاح الماضي يجدي لمعركة الحاضر، خاصة وأن رجال الحاضر ليسوا بمواصفات رجال الماضي، رغم أن كل جيناتنا تشير إلى أننا أحفاد رجال ذاك الزمان ، ولكن فيما يبدو أن جيناتنا تلوثت بكل أوساخ الأرض وعفن البشر، الذين رسموا لنا مسار حياتنا ليتمكنوا منا، وعشقنا ذلك دون أن نعي أننا عشقنا حياة العبيد الذين لا حول لهم ولا قوة، أو كما يمكن أن نكون أقرب إلى توصيف الحيوانات البشرية التي افتقدت أهم ما في البشر من العقل والإرادة، فبتنا بلا عقل ولا إرادة، فيا ويل أمة فقدت عقلها وتعطلت إرادتها فباتت فاقدة الوجود. طوفان الأقصى فيما يبدو لا تنتمي لأمتنا في إرادتها وإيمانها، فالأمة إرادة وإيمان، ومن يفقدهما يخرج من دائرة الأمم الحية، وتصبح أمة مطية للأمم الأخرى، وأمتنا هي في واقعها كذلك، فما يجري هنا وهناك على أرضها يؤكد ذلك، ففي العراق بالأمس تسابقنا بتدمير أنفسنا، وليس هناك أقسى من أن يمارس الإنسان تدمير نفسه، أكبر بكثير من تدمير العدو له، واليوم نعاود ذات الطريقة، ونمارس ذات المنهج، نعمد لإطفاء شعلة الضوء التي انبثقت من غزة، كل يفلسف الأمر لتبرير ضعفه وهوانه وذله، أنظمة وشعوب، وحركات بكل تلاوينها على الأرض العربية من المحيط إلى الخليج، وغداً نمارس ذات الدور لأننا ما زلنا في مدرسة الأموات لا في مدرسة الأحياء، فالفرق بين المدرستين إيمان وإرادة، فمن يملكهما دخل بوابة مدرسة الأحياء، ومن يفقدهما ينام في سبات عميق حتى يحدث الله أمراً مفعولاً، ولعل الله يحدث أمراً نتوق إليه يخرجنا من الظلمات إلى النور. يا رب الكون، هذه أمة الرسالة التي اخترتها من بين كل أمم الأرض أن تحمل أعظم رسالة بعثتها لعبدك على الأرض، فأجادت تلقيها وحملتها بحماس منقطع النظير، وطافت بها أطراف الكون، وقدمت من خلالها نموذجاً حضارياً أفضل بكثير مما قدمته أمم سابقة ولاحقة، وها هم شراذم خلقك وأعداء الإنسانية وأعداؤك يتجبرون بها، فالطف بها وأعد لها ما كانت تمتاز به في حمل رسالتك من قيم الشجاعة والتضحية والفداء، وقيم العدل والمساواة، وقيم المبادئ والرجولة، فالعالم بات يتصرف كوحوش بشرية، يولغ في دماء عبيدك، ويعيث فساداً في الأرض، فهل لأمة الرسالة أن يكون صلاح هذا الكون على يديها، بانتصارها للحق ولجم الظلم، والخلاص من أشرار هذا الكون المتجبر بشروره، والطاغي في ممارساته؟.