هل أنقذ التلفزيون الفرنسي صورة نتنياهو؟ ولاء سعيد السامرائي منذ جريمة مجزرة مخيم رفح يوم الاثنين الماضي، تطور مشهد التضامن الفرنسي مع غزة بشكل ملحوظ وواسع اذ خرجت يوم الاثنين والثلاثاء وما تبعها يوميا تظاهرات بعشرات الالاف في باريس وكل المدن الفرنسية عبر فيها الفرنسيون عن غضبهم تجاه المجزرة وادانتهم للمجرم نتنياهو، على عكس التظاهرات السابقة التي طغى الحضور فيها على الشباب، فأن هذا الأسبوع شهد نزول شرائح جديدة لم تنزل للشارع قبل هذا التاريخ سواء من الشباب او من ذوييهم وحتى من الأجداد الذين يرافقون الاحفاد للتعبير عن غضبهم من الحرب الاجرامية ومن الظلم الذي يطال الشعب الفلسطيني اليوم كما بالأمس. وجاء رفع نائب حزب فرنسا الابية "سيباستيان دلوغو" علم فلسطين في قاعة الجمعية الوطنية ومعاقبته من رئيسة الجمعية يائيل برون بيفيه بعدم دخول قاعة الجمعية لمدة أسبوعين غير مستحق ولا يتناسب مع الفعل ليزيد من اشتعال التظاهرات في الشوارع كما في الجامعات رغم القمع البوليسي العنصري الذي شهدت عليه قنوات الاعلام البديل ووثقته، ليرد النائب ان منعي مؤقتا هو شرف وفخر لي وسأكون مع المتضامنين في الشارع بدل قاعة الجمعية الوطنية. ان رؤية علم فلسطين يرفع بهذه الطريقة في قاعة الجمعية الوطنية أثار النائب يائير حبيب الصهيوني الوقح وصديق نتنياهو الذي يترصد بنواب حزب فرنسا الابية ليتهجم عليهم ويتهمهم بمعاداة السامية وهو ما فعله حالا عقب الخروج من القاعة وهرولة الإعلاميين لتوثيق ما حصل في القاعة فما كان من النائب الصهيوني الا التحرش بنائب من فرنسا الابية يتحدث للإعلام للتشويش عليه ومنعه من الكلام بغية إيصال شتائمه بمعاداة السامية لهذا النائب ولحزبه الى الجمهور الفرنسي عبر صور القنوات المتواجدة. كما نجح المتضامنون مع الشعب الفلسطيني بمنع حضور شركات تصنيع السلاح الإسرائيلية لحضور أشهر معرض عالمي لبيع الأسلحة وهو معرض اوروستار الذي تقيمه باريس وهي ضربة كبيرة للشركات الصهيونية في مثل هذه المناسبة. ان رفع العلم الفلسطيني في الجمعية الوطنية وتزايد المطالبات الضاغطة من عدة جهات على الرئيس ماكرون ليحذو حذو النرويج واسبانيا وايرلندا للاعتراف بالدولة الفلسطينية قد اقلقت نتنياهو الذي يراقب هو وعيونه المنتشرة تطورات الرأي العام العالمي ويرى تدهور صورته وصورة حكومته الفاشية العنصرية بشكل سريع وواسع وبالأخص في أمريكا وفرنسا مما جعله يطلب وبسرعة مخاطبة الشعب الفرنسي والقاء كلمة في الكونغرس الأمريكي. لقد صُدم الفرنسيون يوم الخميس الماضي من فضيحة قناتهم التلفزيونية "ال سي أي" التي استضافت المجرم نتنياهو المتهم من محكمة العدل الدولية ودم الفلسطينيين الذين احرقهم في رفح ما يزال ساخنا، لتقدم له فرصة يخاطب فيها الفرنسيين مدة ثلاثين دقيقة وليسمعهم بروباغندا واكاذيب يسمعه اياها منذ ثمانية أشهر بطريقة مجٌة وكريهة وفاشية صديقه النائب الصهيوني الفرنسي مائير حبيب. هذا الصديق الحميم لنتنياهو الذي على الاغلب وبأجماع كثير من المختصين والصحفيين قد رتب هذه المقابلة لإنقاذ صورة المجرم في فرنسا، ومنذ اللحظة الأولى وبعد اول سؤال اتضحت خارطة دعايته القائمة على استخدام مظلومية الهولوكوست واتهام كل من ينتقد سياسته او سياسة حكومته بمعاداة السامية بضمنهم المتظاهرين حول العالم ، مع ترك الصحفي الذي يقال انه من ابرع الصحفيين في المقابلات لضيفه المدان ان يسترسل في منولوج مرتب مسبقا انكر فيه جرائمه معتبرا ان قرارات محكمة العدل الدولية لا أساس لها لأنها لا تخصه بل تخص دفاع الشعب عن أمنه، وادعى انه زود الغزاويين بمليون طن من الأغذية والأدوية وفتح الطرق والمعابر وانزال الطعام بينما هو يجٌوع الشعب الفلسطيني ويمنع دخول الشاحنات لإخضاع المقاومة وقال أيضا انه لا يقتل المدنيين بل ان جيشه الأكثر أخلاقية يقوم بعمليات استهداف متهما حماس باستخدام المدنيين كدروع بشرية وذلك دون ان يقاطعه الصحفي او يسأله عن المجازر الموثقة للصحفيين والأطباء وتجريف المستشفيات بالكامل التي تتكلم عنها الأمم المتحدة والمنظمات المدنية الدولية وعن قتله 35 الف طفل وامرأة ولا عن التعذيب ومعسكرات الاعتقال التي كشفت عنها الغارديان، وفي كل سؤال متفق عليه مسبقا كما بدا من الصحفي يلتف نتنياهو على السؤال ليشبه ما يجري بالحرب العالمية الثانية ويقارن نفسه بتشرشل وديغول وقادة حماس بالجنرالات الالمان، والأكثر تبجحا تشبيه مجزرة رفح بعملية الانزال الأمريكي في النورماندي وهنا قال له الصحفي لكن غزة ليست ارضك ليرد بالقول لقد خرجنا منها وتركنا كل قواعدنا فيها لكن حماس لا تريد السلام وعاد ليكرر اكاذيبه التي نشرها في السابع من أكتوبر، لينتهي بما قال ان صديقه النائب مائير حبيب ترجمه له وقاله بالفرنسية :انتصارنا هو انتصاركم ، انه انتصار إسرائيل على معاداة السامية ، انتصار اليهودية المسيحية على البربرية ، انه انتصار لفرنسا ، اذا خسرتم خسرنا واذا ربحتم ربحنا، انتصاركم انتصارنا. لكن الرياح أتت بما لا تشتهي سفن الجزار الارهابي، اذ حتى قبل الاستماع لأكاذيبه وحال ما انتشر خبر المقابلة التي ستقدم مساءا، خرجت تظاهرات شبابية غاضبة بدعوة من المرشحة الفلسطينية الأصل للانتخابات الاوربية ريما حسن، اتجهت الى أستوديوهات القناة منددة ترفع شعارات إسرائيل قاتلة، ماكرون متواطئ ونتنياهو الى المحكمة الدولية وتحيا فلسطين والمجد للمقاومة والشعب الفلسطيني وعار على الاعلام المتواطئ. بل ان التنديد جاء بشكل واسع من الصحفيين والإعلاميين والسياسيين والمتخصصين بضمنهم المتوجسين من العقوبات وامتلأت مواقع الاعلام البديل وقنواتهم التي انتشرت بكثرة ولها ملايين المتابعين لإدانة دعوة جزار ومجرم حرب ومجرم ضد الإنسانية بعد اقترافه كل هذه الجرائم ولم يكن محتوى التعليقات على الفيديو الذي نشر الا اشد ضراوة ضد الاعلام الذي سمح لهذا المجرم بمخاطبة الشعب الفرنسي بينما كان عليه ان يجيب امام محكمة العدل الدولية، وكثرة هم من كتبوا اشعر بالعار من بلدي ومن اعلامه الذي يمتلكه مليارديرية متواطئون في جرائم الحرب هذه. اما رئيس معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية باسكال بونيفاس فقد نشر فديو بعنوان جوابي على نتنياهو قال موجها الكلام له : لا سيد نتنياهو انتصارك ليس انتصارنا ،انه العكس تماما ، نحن لسنا مع رؤيتكم في تصادم الحضارات ، الاخيار من جهة والاشرار من الجهة الأخرى، بموقفكم هذا تشجعون معاداة السامية ، انكم تضعون أمن الفرنسيين والعالم في خطر ، انكم لا تريدون السلام بل تريدون الحرب انت ووزرائك اليمينيون العنصريون الذين يرفضون السلام انتم تغذون الإرهاب حان الوقت لتتوقفوا. وفي موقع اخباري مهم لصحفي تمت ملاحقته من الصهاينة لسنوات كتب لم يعد أحدا يخاف من اتهامه بمعاداة السامية في هذا البلد! وهي جملة خطيرة وكبيرة في ظل الاحداث الجارية اذ كان امرا مستحيلا ان يصرح او يكتب صحفي او كاتب او فنان مثل هذه الفكر الا ويتم تسقيطه في الحال، مختتما كلامه بجملة لقد تغير اتجاه الرياح ! اما الكاتب المعروف فردريك لوردون فقد التحق بطلاب جامعة السوربون المتظاهرون الذين اضربوا احتجاجا على قمع الشرطة لطلاب معهد العلوم السياسية فأقاموا خيمهم داخل قاعة كبيرة من قاعات الجامعة وقال لهم استمروا بالتظاهر فانتم ضمير العالم اليوم ومن يقتل الشعب الفلسطيني ويدعم قتله ليسوا الا مختليين عقليا ، وعندما تلتحق السوربون وطلابها بالتظاهرات وتقاوم القمع فهي علامة نوعية وكبيرة وتغير جوهري واساسي في الرأي العام الفرنسي تؤشر على جيل توهم الكثير منا انه مبتعد عن الشأن العام، كره السياسة والاعيبها ، لكنه برز فجأة بعد السابع من أكتوبر في اجمل وارقى تجلياته ، لم يرى العالم منذ الحرب العالمية الثانية تضامن وتظاهرات في ارجاء المعمورة بهذا المستوى من الوعي ولا بهذه المقاومة لقوات الشرطة ولسياسة الدولة والمطاولة والصبر والابداع لوسائل مختلفة لإنجاح تضامن عالمي شبابي مع غزة ومع قضية الشعب الفلسطيني وابطال مقاومته الذين لولاهم لما شاهدنا هذه المناظر حول العالم ولم نرى تغير اتجاه الرياح في زمننا هذا. أراد المجرم نتنياهو تلميع صورته التي تلطخت بالدماء في كل شوارع وعواصم العالم لكن وبدل ان تجمل هذه المقابلة صورته أصبحت مثل القشة التي قسمت ظهر البعير، اذ ان عملية التجميل التي أراد الافتخار بها قد فشلت ليخرج منها مذموما تلاحقه الشتائم والسباب وشعارات "جزار رفح الى محكمة العدل الدولية وليس في التلفزيون" وليصل وسم "كل العيون تتجه لرفح" لأكثر من ثلاثين مليون مشاهدة وأصبح موضوع الساعة للقنوات الإعلامية العالمية بضمنها المحايدة.