الكيان المعزول أبو قتيبة العمري الحديث هنا حول الكيان الصهيوني المسخ وما يعانيه من عزلة دولية لأول مرة في تاريخه نتيجة اعماله الارهابية في غزة الجريحة، ولا يمكن اعتبار تمرير قرار في مجلس الأمن الدولي يتضمن لفظًا لوقف إطلاق النار لأول مرة مسألة غير ذات أهمية. فبالرغم من كون القرار لا يمنح الوقف النهائي للحرب جملة مفيدة، فإنه الموقف الأول منذ بداية هذه الحرب الذي يقف فيه الاحتلال معزولًا كليًا، حتى من أقرب حواضنه الدولية المتمثلة بالولايات المتحدة الأميركية. فرغم سطحية المطلب، وتفاهته إنسانيًا نسبةً للجريمة المرتكبة والمستمرة وتداعياتها، فإن قرار مجلس الأمن الأخير لحظة نادرة لو قارناها بالمواقف الغربية الهستيرية في الشهور الأولى للحرب. لقد خسرت إسرائيل المعركة العسكرية، وها هي في طريقها لخسارة استراتيجية قد تؤسس لانطلاقة فهم جديد في كيفية التعامل مع المكاسب والتكاليف المتوقعة من المستعمرة الاستيطانية القائمة بالحماية الغربية فقط. ينبع هذا من حراك عالمي- خاصة في الولايات المتحدة- بات يستهدف بدقة لوبيات الضغط الصهيونية التي تخترق القرار السياسي، كالحملات التي انطلقت ضد لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (إيباك)، التي تعتبرها أطراف مناهضة ذات ولاء إسرائيلي مطلق، حتى لو على حساب المصلحة الوطنية الأميركية. وهو تطور لافت في اتجاهات الحراك الشعبي المناهض للاحتلال. أضف لذلك، ما أظهرته الحرب من انقسام جيلي في الموقف السياسي في الغرب، حيث تتزايد بشكل لافت شرائح الشباب المدركين حقيقةَ إسرائيل كاحتلال ونظام فصل عنصري، بمقابل جيل الكبار الذي لا يزال موقفه مؤطرًا برواية الإعلام التقليدي، المرتبط بدوره باختراق اللوبيات وحملات الخوف التي يتقن صناعتها في وجه الروايات "المنحرفة" عن المسار المرسوم. يمكن القول؛ إن هذه الحرب ربما أوصلت العلاقة بين الحواضن الدولية الغربية ومستعمرتها الشرقية إلى مستوى تتساوى فيه التكاليف بالعائدات، وهو مستوى قد يستوجب إعادة النظر بشكل هذه التجارة السياسية، إما بإعادة إنتاجها بالشكل الذي يزيد العائد مقابل التكلفة، أو بخفض النفقات من أجل موازنة العائد. محطة مفصلية في كلتا الحالتين، المشروع الصهيوني أمام محطة مفصلية، لا بعلاقته مع الأرض التي استعمرها ومع أصحابها فحسب، فهذه علاقة محددة المعالم بطبيعة تكوينها كاشتباك أزلي بين مستعمر وحركة تحرر، بل في علاقته هو بامتداداته الدولية كمشروع قادر على تقديم مزيد من الأهمية الاستراتيجية لوجوده واستمراره كاستيطان استعماري يتجاهل وجود حقائق، لا تزال تكرر نفسها كل يوم بشكلٍ ما، ولن يكون آخرها ما يجري في غزة الآن. لا بد من التذكير أن الحكومات الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، لا تزال تعطل كل الآليات الدولية الأخرى المتاحة من أجل منع تفاقم الوضع، ووضع حد لهذه الحرب عند مستوى معين. كانت يد الفيتو الأميركية واحدة من ذاكرة الحرب التي لن ينساها كثيرون من ضحايا هذه الكارثة ومتابعوها. كانت قيادات الغرب التي توافدت في زيارات الدعم تقف على مسافة مئات الأمتار من شريط غزة الحدودي، وعلى مسمع لصوت الانفجارات، من أجل البكاء بعين واحدة، واختصار إنسانيتهم على رثاء جانب واحد. كل ذلك، لن يمحوَ ذاكرتَه شتم نتنياهو، والتربيت على كتف شركائه في الجريمة