تأثير الخلافات بين المؤسستين السياسية والعسكرية في اسرائيل على تداعيات الحرب في غزة أ.د. مؤيد المحمودي بعد مرور حوالي ثمانية شهور على بدأ الحرب في غزة تشهد الساحة الإسرائيلية حالة من الامتعاض والتذمر على خلفية استمرار هذه الحرب واتهام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتعمد إطالتها لأسباب سياسية وشخصية . لاسيما وأنه يخشى من تبعات توقفها على المستقبل السياسي لحكومته التي أخذت تفقد أغلبيتها لدى الشارع الاسرائيلي حسب استطلاعات الرأي الأخيرة. يضاف الى ذلك ما ينتظره نتنياهو من مصير معتم على المستوى الشخصي في حالة انتهاء الحرب بسبب قضايا الفساد المتهم فيها لدى المحاكم الاسرائيلية. وقد امتدت هذه الحالة من التململ الى صفوف الجيش الاسرائيلي على أثر الخسائر الكبيرة التي يتكبدها في هذه الحرب والفشل في تحقيق أي من الأهداف التعجيزية التي وضعها نتنياهو لها. وبدأت معالم هذا الخلاف بين المؤسستين العسكرية والسياسية تأخذ طابع التأزم القابل للتصعيد كما يتضح من خلال الوقائع التالية: أولا :ظهور ردود فعل قوية بعد أن أطلق نتنياهو تغريدة في بدايات الحرب البرية على غزة أعلن فيها التنصل من مسؤوليته عن إخفاق السابع من أكتوبر وأراد أن يلصق الأمر بالقيادة العسكرية والأمنية. إذ قال في حينها إنه لم يتم تحذيره تحت أي ظرف من الظروف، وفي أي مرحلة بشأن وجود نية حرب من جانب المقاومة الفلسطينية. وهذه التغريدة تمثل شرارة الاختلافات بين نتنياهو والمؤسسة العسكرية . ثانيا: في سابقة إسرائيلية غير مألوفة قالت القناة الـ13 الإسرائيلية أن رئيس أركان الجيش هاليفي بعث برسالة تحذيرية لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بعد تصاعد العمليات العسكرية الإسرائيلية الأخيرة في قطاع غزة قال فيها "أنت تستمر في العودة إلى العمل العسكري لأنك لا تتخذ قرارات سياسيه". ويأتي هذا التذمر نتيجة لعودة الجيش الاسرائيلي للمرة الثالثة الى محاولة التوغل في جباليا وحي الزيتون في شمال غزة بعد أن أعلن وزير الدفاع الاسرائيلي سابقا بأنه تم القضاء على المقاومة في هذا الجزء من القطاع. وفي هذا الصدد يقول الجيش بأنه يدفع ثمنا باهظاً من أجل العودة الى أماكن في غزة سبق أن اجتاحها ثم انسحب منها بعد تطهيرها. ويعزز حقيقة هذا التخبط اعتراف الجيش مؤخرا بأنه فقد أكثر من 100 عسكري اسرائيلي بين قتيل وجريح منذ البدء باجتياح رفح. ومن جانب أخر يشير الرئيس السابق لشعبة العمليات في الجيش الاسرائيلي الى أن دخول رفح وتعريض الجنود للخطر هو أمر سياسي، يتعلق بإرضاء نتنياهو لإتلافه اليميني الحاكم. ثالثا: تقديم عدد من المسؤولين العسكريين الإسرائيليين استقالاتهم مؤخرا على خلفية اتهامات بالإخفاق في إدارة الحرب على غزة . ومن أبرزهم رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) ، ثم تبعه استقالة رئيس المنظومة الدعائية لإسرائيل وأخرها كانت استقالة مسؤول الشؤون الاستراتيجية بمجلس الأمن القومي الإسرائيلي الذي يتولى رسم الشؤون الاستراتيجية بمجلس الأمن القومي الإسرائيلي . مع توقعات بحصول سلسلة من الاستقالات الأخرى قريبا في قيادة الجيش قد تطال رئيس الأركان ونائبه وربما تضم أيضا رؤساء الأجهزة الأمنية للموساد والشاباك. ويقول أحد الخبراء العسكريين الاسرائيلين المتقاعدين أن القيادات العسكرية لا تستقيل خلال الحروب، وعندما يحدث أمر كهذا فإنه يعني وجود فشل في تحقيق الأهداف الاستراتيجية للحرب. ومن غير المعقول أن تتحمل القيادات العسكرية لوحدها مسؤولية هذا الفشل بينما ينئ نتنياهو لوحده عن المشاركة في مثل هذه المسؤولية وهو الذي يمسك بكل شيء في هذه الحرب ويصر على مطالبة العسكريين بإنجاز أهداف غير قابلة للتحقيق. وعلى أثرها أتهم بعض القادة السابقون نتنياهو صراحة بأنه يضحي بالجيش من أجل انقاذ ائتلافه اليميني الحاكم وهم يتوقعون أن تكون هذه الاستقالات بداية لانفراط عقد حكومة نتنياهو الحالية. رابعا: اختلاف الرؤيا المستقبلية بين نتنياهو والمؤسسة العسكرية حول استراتيجية اليوم التالي للحرب في غزة. نتنياهو يحاول أن يتهرب من وضع استراتيجية واضحة لما يمكن أن تؤول اليه الأوضاع في غزة بعد انتهاء الحرب، عوضا عن ذلك انه يطرح تصورات غير واقعية من الصعب تحقيقها على أرض الواقع. فتارة يعلن عن بقاء الجيش الاسرائيلي في غزة ولن يتركها حتى بعد انتهاء الحرب كي تضمن اسرائيل عدم تكرار حادثة 7 اكتوبر مرة ثانية. من جهة أخرى فهو يطرق أبواب دولا عربية وغير عربية عسى أن تقبل بفكرة ادارة الحكم في غزة بعد خروج الجيش الاسرائيلي منها . ونتيجة لعدم وجود تجاوب من هذه الدول أخذ يفكر مؤخرا في اقناع بعض الأطراف الفلسطينية من خارج صفوف المقاومة علها تقبل في القيام بهذه المهمة المستحيلة. ونتيجة لوصول جميع هذه المحاولات الى طريق مسدود أغلق نتنياهو الباب على هذا الموضوع معتبرا أن القرار بشأن اليوم التالي للحرب سوف يتقرر بعد القضاء على المقاومة الفلسطينية كما يدعي. أما الجيش من جهته فهو يرى أن ضبابية هذا الموضوع وعدم وضوح الرؤيا لدى نتنياهو حول مستقبل الحرب له أثر سيئ على جدوى استمرار الجيش للقيام بهذه المهمة العبثية ارضاء لمزاج نتنياهو المشتت . فضلا عن أنه يبدي تحفظات قوية على ابقاء القطاع بعد الحرب تحت الحكم العسكري لما يمكن أن يتسببه هذا المخطط من كلفة عالية أمنيا واقتصاديا من الأفضل تجنبها. ان هذا التخبط الذي يمارسه نتنياهو في قيادة دفة الحرب على غزة بدأت تظهر نتائجه السلبية على جميع المستويات بما فيها الخطط الحربية التي يضطر الجيش الاسرائيلي الى الزج بها ارضاء لأهداف نتنياهو الغير واقعية. مما ترك حالة من الاحباط لدى قادة هذا الجيش لأنهم أقحموا في مهمة عسكرية من قبل القيادة السياسية ينتهي بها الأمر الى التكرار. وربما تثمر عن خطوات من الفشل لهذا الجيش تضاف الى الهزائم الأخرى السابقة في غزة. لذا يرى بعض المحللين أن محاولة اجتياح رفح رغم كل التحذيرات التي نبهت الى خطورة هذه الخطوة عسكريا والتي تزامنت مع اعادة التموضع في جباليا وحي الزيتونة في الشمال قد ينتهي بها الأمر إلى خيبة أخرى للجيش الاسرائيلي تضاف الى الهزائم الأخرى التي مني بها في السابق. ففي ذروة الحرب على غزة زج الجيش الاسرائيلي ب24 لواء اجتاحت شمال ووسط وجنوب غزة ولم تنجح في القضاء على المقاومة واليوم يأمل نتنياهو أن يحقق هذا الحلم الخيالي بسبع ألوية فقط اثنتان منها احتياط تعادل لواء واحد نظامي وموزعة على رفح والوسط وشمال غزة. إن الشارع الإسرائيلي أصبح قريبا من لحظة الانفجار لأنه تأكد من عدم صحة كل الشعارات التي رفعها نتنياهو، فضلا عن تأكيدات بعض المسؤولين الى تعمده عرقلة مفاوضات تبادل الأسرى. لذلك، فإن الحل الوحيد لاستعادة الأسرى بنظر معظم الإسرائيليين سوف يأتي من خلال التخلص من الحكومة الحالية لنتنياهو.