الظلم والتطرُّف صنوان، حذارِ الغضب الفلسطيني القادم نبيل الزعبي "لا يمكنك أن تحشر الناس في وضع يتعرضون فيه للقمع خمسة وسبعين عاماً ،ثــم لاتـتـوّقـع منهم رد فعل" ( جورج غالاوي ، نائب في البرلمان البريطاني عن مدينة روتشديل) . يتكلم الغرب الأوروبي والاميركي المتصهين عن التطرُف من اين يأتي ، وهل يجد التطرُف هذه الايام عوائق كي لا يأتي ! وشعبُّ باكمله يُباد على مرأى من هذا العالم ( المتحضّر ) ولا من يردع المجرم او يبالي او يضع حداً للمجازر التي ما عاد يسهل تعدادها والأبرياء قد تجاوزوا المائة واربعين الفاً بين قتيلٍ وجريح ، والأرض جُرِفَت وما عادت تصلح للسكن بعدما تم تهديم البنى الفوقية والتحتية عن بكرة ابيها ولم يُحْصَ بعد ، كم عدد الشهداء الراقدين تحت الركام ، اما من تبقّى على قيد الحياة ، فليس امامه سوى مشاريع الموت الأخرى وهو الشاهد إلمهددُ بالجوع والعطش والمرض ان لم يكن بالمدفعية والصاروخ والرصاص الذي لم يوفر ، حتى النازحين الجوعى وهم يتلقفون من الجو ما رمته عليهم أنظمة"الاخوّة"من طحين وغذاء ، ليمزج القاتل طحينهم وغذاءهم بشلال دم يودي بالمئات منهم بين قتيل وجريح ، يفترش احدهم الارض بوحولها الحمراء عساه يحظى بدقائق معدودة يُغمِض فيها عيناه على ما يجري ، فلا يستطيع . ماذا يتوقع هذا العالم ( المتحضر ) من أطفال يعيشون في العراء ، فلا صدورُّ تحضنهم او اخوّة دم تمد لهم أيادي النجدة ، وانما هي ارادة البقاء التي تنقذهم ، ربما بالصدفة من جحيم القصف الأجرامي الاعمى ، كي ينطقوا غداً ، شهوداً على كل ما جرى ويجري من حكايا الاحياء ومن شملتهم شهادة الموت ، وبأي مفردات سيستعين هؤلاء وهم يروون الحقيقة بكل امانة الشاهد دون زيادة أونقصان . كيف لا يكون تطرُّف ، بل كيف لا يتنامى ويتمدد ليشمل أمماً تتفرج ، وشعوباً تتألم امام شعبٍ يُباد والكل عاجز ولا يجد غير الدعاء ، وهل يكفي الدعاء إن لم يقترن الصمت بالكراهية التي تسعى إلى الانتقام بين اللحظة واللحظة وقد توقف الزمن على اشارة التأهب ولم يعد يفتش عن وسيلته المحققة سوى من يصنعون المعجزات اليوم على ارض فلسطين ، وجلُّهم شهود احياء لن تبارح ذاكرتهم بعد اليوم كيف فقدوا الاب والأم والولد والبيت والأملاك والشارع وما عاد ليحميهم سوى تلك الذاكرة التي ، محالُ لها ان تنسى . كيف يريد الغرب الاستعماري الأميركي لاجيال الحقد والكراهيه له ان تنسى ولا تتطرّف وهو الذي اسس للمأساة الفلسطينية منذ ما قبل وما بعد وعد بلفور ولم يزل يجعل من هذا الكيان ، سِكّيناً قاطعة يمزق بها الامة ولا يترك لشعوبها الراحة يوماً منذ كان اختيارهم لفلسطين محققاً لهدفين اثنين : -زرع هذا الإسفين في قلب الوطن العربي كي لا يلتقي جناحاه في المغرب والمشرق ، -واحباط كل تطلُعٍ قومي نحو الوحدة وإغراق الوطن في محميات وحدود دم لا يوحدها سوى تعزيز قطريتها وتصليب فوارقها المصطنعة التي كرست مفاهيم الحظيرة والقطيع على حساب الوطن والامة . كيف تتبجّح حكومات بقايا دول الغرب الاستعماري القديم ومعها الحليف اليانكي الاميركي المستجّد ،بالديموقراطية وحقوق الإنسان ، فيما مواقفها العنصرية المنحازة للعدو الصهيوني لم تعد تُقنِع حتى شعوبها التي تملاً ساحات أوروبا واميركا وجامعاتها اليوم منددةً بحرب الابادة على غزة وأقل ما تطالب به هو وقف النار وإيقاف الحرب الظالمة ، وكيف يتقبّل مسؤولون حكوميون كبار في أوروبا واميركا من ذوي الأصول الاسيوية والافريقية ما يحصل على ارض فلسطين من ابادة وتهجير جماعي ، وأسلافهم قد ذاقوا المرارة اياها في بلادهم الام كالهند على سبيل المثال لا الحصر بالنسبة لرئيس حكومة المملكة المتحدة ، وما عاناه الاميركيون من اصل أفريقي من استعباد يضاهي ما حل بالهنود الحمر سكان البلاد الأصليين على ايدي اليانكي ، فلا تتذكر ذلك مندوبة الولايات المتحدة الاميركية في مجلس الامن وهي الأفريقية الأصل وكيف سِيقَ جدودها لِلرِق والاستعباد على ايدي أسلاف من تدافع عن سياساتهم اليوم ولا ترى اي مبررٍ لوقف النار في غزة ، شأنها شأن الآسيوية الأخرى التي تحتل منصب نائب الرئيس الاميركي وما يشبهها من نماذج سُلِخَت عن هويتها الام وقبلت العبودية الجديدة كاداة "حضارية" لتوجُه إمبريالي تنطق باسمه وتضرب بسيفه . هي هذه النماذج بالتحديد من يرتضيها الكيان الصهيوني للتفاوض معها كبديل للشعب الفلسطيني وتخطط حكومته لتحديد مستقبل غزة بعد الحرب بعدما استنفذت لديها كل افرازات اتفاقية أوسلو ولم تجد سوى الاستعمار المباشر او عبر البديل المطلوب تحقيقه لهذه الغاية ، ثم ليعود الغرب ( المتحضر) بعد كل ذلك ليسأل عن التطرُّف متجاهلاً كل هذا الظلم الفادح بقضية شعبٍ مُحتَلةُّ ارضه لثلاثة ارباع القرن من الزمن ولن تعنيه بعد اليوم ان يصبر ويرابط ويقاتل ما يوازي صبره على المحتل طوال تلك السنين أيضاً طالما انه لا يجد امامه وحتى إشعارٍ آخر سوى واحداً من مصيرين : النصر او الشهادة .