تشكيلات الفصائل للمقاومة الفلسطينية ضد العدو الاسرائيلي في غزة ومدى ارتباطها بالنظام الإيراني أ.د. مؤيد المحمودي شكلت عملية طوفان الأقصى ضربة غير متوقعة لإسرائيل، تركت القيادة السياسية والجيش الإسرائيلي ومنظومة المخابرات والاستخبارات في فشل كبير، ليس فقط بسبب عامل المفاجأة لكن أيضاً للقدرات العسكرية الكبيرة التي أظهرتها المقاومة الفلسطينية في غزة. وهذه المقاومة تشمل على مجموعة من الفصائل تشكلت بهدف تحرير فلسطين من الاحتلال الإسرائيلي وأبرزها 7 أجنحة عسكرية: أولاً: كتائب القسام وهي الجناح العسكري لحركة حماس وتعد القوة العسكرية الأبرز بين الأجنحة المسلحة في كل الأراضي الفلسطينية، وأكثرها عدةً وعتاداً، فيما يظهر مقاتلوها بأساً شديداً وتدريباً عالياً. تأسست بداية عام 1988 باسم مجد، قبل أن يطلق عليها اسمها الحالي، وبقي اسم مجد مرتبطاً بجهازها الأمني السري لملاحقة العملاء الذين يعملون لصالح المخابرات الإسرائيلية. وبدأت تبرز بشكل واضح عام 1994، مع تنفيذ محاولات اختطاف إسرائيليين ونجاحها في أول عملية أسر في الضفة الغربية للجندي نخشون فاكسمان، الذي قتلته القوات الإسرائيلية أثناء الاحتجاز قرب إحدى القرى بين رام الله والقدس. وتحول يحيى عياش أحد أبرز خبراء التفجير الذي عمل في الضفة إلى رمز للحركة والذي كان يلقب بـ المهندس، حتى اغتيل في قطاع غزة عام 1996.استمرت العمليات التفجيرية التي تميزت بها القسام في الانتفاضة الثانية، ثم نفذت عملية أسر الجندي جلعاد شاليط عام 2006. ونجحت بالاحتفاظ به لأعوام طويلة، وأجبرت إسرائيل على عقد صفقة تبادل معها عام 2011، أفرجت بموجبها عن 1027 أسيراً. في سنوات لاحقة، طورت القسام من قوتها وبنت مواقع عسكرية علنية، وعملت بتنظيم هرمي، وجندت الآلاف في صفوف مقاتليها، وسط تقديرات بأن لديها نحو 30 ألف مقاتل. تتوزع قواتها على قوات النخبة وكتائب تابعة للمناطق الجغرافية، وفيها وحدات خاصة للأنفاق والتصنيع العسكري والاستخبارات. تمتلك القسام أنفاقاً دفاعية وهجومية أقلقت المنظومة العسكرية الإسرائيلية كثيراً، ونجحت في استخدامها بكثافة خلال حرب عام 2014 التي استمرت 51 يوماً، ونجحت بإخفاء جنديين إسرائيليين أسرتهما من حي التفاح شرق مدينة غزة، ورفح جنوب القطاع، وما زال مصيرهما حتى الآن مجهولاً. طورت طائرات بدون طيار، وعشرات الصواريخ التي فاجأت إسرائيل في جولات ومعارك وحروب أخرى كما جرى في حرب 2014، ومعركة 2021 التي بدأت بقصف مدينة القدس بعدة صواريخ، وكذلك في الحرب الحالية. اغتالت اسرائيل العديد من قادتها أبرزهم أحد مؤسسيها أحمد ياسين ولم يشفع له كونه كان مقعدا على كرسي متحرك. ثانياً: سرايا القدس تعد سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي وتعتبر القوة الثانية عسكرياً في الأراضي الفلسطينية، وتم تأسيسها مع بداية انتفاضة الأقصى الثانية التي اندلعت نهاية عام 2000. ونفذت في تلك الحقبة سلسلة هجمات في المدن الإسرائيلية والضفة وغزة. ترتبط سرايا القدس بإيران وحزب الله اللبناني أكثر من غيرها من الأجنحة المسلحة الأخرى، وتدرب المئات من قياداتها وكوادرها في إيران وسوريا، الذين عادوا لقطاع غزة، وقاموا بتصنيع صواريخ وطائرات بدون طيار، لكنها أقل قدرة من حيث الكفاءة والتأثير، مقارنة مع ما تمتلكه كتائب القسام من أسلحة متطورة. يبلغ عدد مقاتلي سرايا القدس نحو 11 ألف مقاتل، ويمتلكون أسلحة خفيفة ومتوسطة وآلاف الصواريخ متوسطة المدى، والعشرات من الصواريخ البعيدة التي تصل إلى تل أبيب والقدس. لكنها لا تمتلك منظومة أنفاق كبيرة كالتي موجودة مع القسام. برزت الحركة في العامين الأخيرين، في الضفة، من خلال كتيبة جنين، أحد أهم التشكيلات العسكرية البارزة شمال الضفة الغربية التي تقودها سرايا القدس، ونفذت سلسلة هجمات مسلحة، فيما اغتيل العديد من قياداتها. ورغم أن الجهاد جماعة متوسطة نسبياً، ولكنها تحظى باحترام كبير من قبل أغلب الفلسطينيين، لأنها تركز على المقاومة أكثر من السياسة، كما أنها لعبت دوراً في التقريب بين فتح وحماس. ثالثاً: ألوية الناصر صلاح الدين تضم نحو 5 آلاف مقاتل، وتمتلك العشرات من الصواريخ وقذائف الهاون. كانت أولى عملياتها نهاية عام 2000، بتفجير عدة عبوات ناسفة كبيرة بدبابة إسرائيلية ما أدى لتدمير أجزاء كبيرة منها، عند مفترق نتساريم، ومقتل جنديين إسرائيليين في حينها. تلقت دعماً من حزب الله اللبناني وحركة الجهاد الإسلامي، وخلال سنوات الانتفاضة الثانية شاركت بسلسلة عمليات اقتحام لمستوطنات بغزة قبيل الانسحاب، بمشاركة فصائل أخرى، وقتل عناصرها العديد من الإسرائيليين وبالمقابل اغتالت إسرائيل العديد من قادتها. رابعاً: كتائب شهداء الأقصى تعد كتائب شهداء الأقصى الجناح العسكري لحركة فتح القوة الرابعة بعد أن كانت في بدايات الانتفاضة الفلسطينية تعتبر القوة الأولى عسكرياً، ونفذت حينها سلسلة هجمات كبيرة ضد الإسرائيليين، بما في ذلك هجمات داخل عمق المدن الإسرائيلية. وهي ليست من الجماعات الاسلامية ورغم خلافاتها السياسية، تقاتل هذه الفصائل جنبا الى جانب مع حماس والجهاد الإسلامي في غزة والضفة الغربية. وهم لا يخضعون لسيطرة زعيم فتح محمود عباس، الذي يتبنى الدعوة إلى محادثات سلام مع إسرائيل بصفته رئيساً للسلطة الفلسطينية. لذا أعلن الرئيس الفلسطيني عام 2007 حل هذه الفصائل رسمياً، وتفريغ عناصرها في الأجهزة الأمنية. حاليا تضم التشكيلات العسكرية للكتائب في غزة نحو 2000 مقاتل يمتلكون أسلحة خفيفة ومتوسطة وعشرات الصواريخ محلية الصنع، التي تصل فقط لنحو 16 كم من حدود غزة. خامساً: كتائب أبو علي مصطفى وهي الجناح العسكري لـلحركة اليسارية المسماة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، أسست بهذا الاسم بعد اغتيال أمين عام الجبهة أبو علي مصطفى عام 2001 في مكتبه برام الله، إثر قصف من طائرة مروحية. تعد القوة الخامسة حالياً، وتضم مئات المقاتلين بغزة والضفة، وتمتلك أسلحة خفيفة ومتوسطة وصواريخ محلية الصنع. نفذت سلسلة هجمات، أبرزها الرد على اغتيال أمينها العام، باغتيال وزير السياحة الإسرائيلي الأسبق، رحعبام زئيفي، عام 2001 في أحد فنادق غرب القدس. اعتقل أمينها العام الحالي أحمد سعدات برفقة قيادات من الكتائب من قبل القوات الإسرائيلية عام 2006، وصدر بحقهم أحكاماً بالمؤبد. عدد المقاتلين في الحركة يقدر بالمئات. سادساً: كتائب المقاومة الوطنية هي الجناح العسكري لـحركة يسارية أخرى تدعى الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين. تضم مئات المقاتلين في صفوفها، وتعد القوة السادسة، وتمتلك أسلحة خفيفة ومتوسطة وصواريخ محلية الصنع. نفذت سلسلة هجمات خلال سنوات طويلة من النضال الفلسطيني وانتفاضة الأقصى الثانية، وقتلت العديد من الإسرائيليين، كم قتل العديد من قادتها وكوادرها. سابعاً: كتائب المجاهدين هي مجموعة عسكرية منبثقة عن تشكيلات حركة فتح قبل أن تعلن انفصالها التام عنها، وتتلقى تمويلاً من حزب الله اللبناني وحركة الجهاد الإسلامي. تضم المئات من المقاتلين، كما أنها تمتلك أسلحة خفيفة ومتوسطة وصواريخ تصل إلى عسقلان وسديروت وغيرها. نفذت منذ بداية الانتفاضة الثانية، سلسلة هجمات وقتلت إسرائيل بعض قادتها. يوجد تنسيق وتفاهم بين هذه الفصائل الفلسطينية في غزة على صعيد العمل الميداني والأمني. وهناك اجماع لديها على تطوير النظام السياسي لكامل الأراضي الفلسطينية وتعزيزه على أسس ديمقراطية عبر الانتخابات العامة تشمل الرئاسة الفلسطينية والمجلس التشريعي والمجلس الوطني. وذلك وفق نظام التمثيل النِّسبي الكامل في انتخابات حرة ونزيهة وشفافة يشارك فيها الجميع، بما يعيد بناء العلاقات الداخلية على أسس ومبادئ الائتلاف الوطني والشراكة الوطنية. ولحماس دور كبير في ضبط ايقاع الفصائل الأخرى في غزة خاصة المتطرفين السلفيين منها كي تحافظ على القانون والنظام تحت السيطرة. ولم تتردد حماس في اللجوء الى القوة إذا اقتضى الأمر لمواجهة أي تطرف سلفي مثلما فعلت مع عبد اللطيف موسى زعيم جماعة سلفية تدعى جند أنصار الله التي أعلنت قيام إمارة إسلامية بغزة عام 2009. طبيعة العلاقة بين فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة والنظام الايراني من الواضح بالنسبة للفصائل الفلسطينية العاملة في غزة أنها ليست جميعها حركات إسلامية. وماعدا جماعة الجهاد الاسلامي فلا يوجد مؤشرات أكيدة تدل على أن باقي الفصائل الفلسطينية بما فيها الفصيل الأكبر حماس تمتلك روابط وثيقة مع نظام الملالي في طهران. لكن ذلك لم يمنع من استفادة هذه الفصائل من المساعدات التي يقدمها النظام الايراني متبرعاً سواء في مجال الأسلحة أو التدريب خاصة وأن الدول العربية قد تخلت عنها ولم تجرأ على القيام بمثل هذه المهمة تجنبا للإحراج مع الجانب الاسرائيلي والأمريكي. لكن تبقى العلاقة بين الفصائل الفلسطينية وإيران محدودة وضمن إطار المصالح المشتركة. ولا يمكن وصفها بالولائية المطلقة كما هو الحال بالنسبة الى الفصائل المسلحة في العراق أو حزب الله في لبنان. ولعل تكذيب حركة حماس للناطق الأمني الإيراني الذي ادعى أن طوفان الأقصى جاءت ردا على مقتل قاسمي سليماني، واعتراف الجانب الايراني بأنه لم يخبر مسبقاً بالتخطيط لعملية طوفان الأقصى، هو خير دليل على استقلالية هذه الفصائل فيما يخص اتخاذ القرارات المصيرية وعدم خضوعها للإملاءات الايرانية. فضلا عن أن وجود انتماء للفكر الاسلامي لدى بعض الفصائل الفلسطينية لا يجب أن يفسر على أنه حالة متطرفة تعيق الانفتاح على الأطياف الأخرى. فقد سبق وأن صوت المسيحيون في غزة لحركة حماس في أخر انتخابات نيابية أجريت في فلسطين لقناعتهم بأنها ترفع شعار تحرير فلسطين عن صدق. والذي تم ترجمته على الواقع من خلال تنفيذ عملية طوفان الأقصى. ولدى العراق تجربة جبهوية مماثلة في السابق حصلت بين حزب البعث العربي الاشتراكي وبعض الفصائل الاسلامية الوطنية تحت قيادة المرحوم القائد عزت الدوري والتي أثمرت عن تكبيد قوات الغزو الأمريكي أفدح الخسائر واضطرتها الى الانسحاب عام 2011. أما فيما يخص هدف إيران من تقديم هذه المساعدات اللوجستية للفصائل الفلسطينية فهو حتما ليس من أجل تحرير فلسطين كما تدعي بعض الأحيان، بل لغرض استخدام هذه العلاقة مع الفصائل المسلحة كورقة ضغط في الحرب الباردة التي تخوضها مع الدولة العبرية حول بسط النفوذ في المنطقة.