لماذا ستغادر قيادة حماس السياسية دولة قطر؟ د. أبا الحكم كما هو معروف أن قيادة حركة حماس السياسية مقيمة في الدوحة العاصمة القطرية منذ سنين، وتتمتع بحرية الحركة وتقوم باتصالاتها مع قيادة الحرس الايراني وقيادة فيلق القدس وجنرالاته.. فما هي الاسباب التي جعلت قيادة حماس تفكر بمغادرتها الدوحة والتفتيش عن مأوى آخر؟ هل ان قطر فرضت شروطها وحددت طبيعة حركتها السياسية والاعلامية بما يخالف التوجهات الايرانية؟ ولماذا حددت حماس خياراتها بثلاثة دول (الأردن أو سوريا أو تركيا)، حسب القائد أبو مرزوق؟ أولاً- الأردن، يعد هدفاً مركزياً في الاستراتيجية الايرانية لا تزال طهران تعمل على اختراقه بمختلف السبل منها: التظاهرات في عمان وتظاهرات على الحدود السورية - الاردنية صاحبتها عمليات إطلاق النار على حرس الحدود الاردنيين، قيل عنها انها عمليات تهريب بضاعة ومواد من سوريا الى الاردن، الا انها في الحقيقة تهريب اسلحة ايرانية. لغرض زعزعة الأمن في الأردن. إن انتقال القيادة السياسية لحماس إلى الأردن من الصعب الموافقة عليها طالما ان قيادة حماس السياسية لها ارتباط (استخباراتي وأيديولوجي) مع نظام طهران، كما اعترف بذلك خالد مشعل قبل فترة في إحدى المقابلات التلفازية، بأن حماس تتلقى (الأموال والسلاح والعتاد والمقذوفات بأنواعها من إيران ... بينما لم تصل حماس إلا النزر اليسير من المساعدات المالية من الدول العربية).!! ثانيا- سوريا وهي ساحة ايرانية مكشوفة ونظامها السياسي يتركز في دمشق العاصمة وليس لدى النظام السوري السيطرة على باقي الاراضي السورية، والأسد يحكم قبضته على دمشق بالفرقة الرابعة وهي فرقة عنصرية ترتبط قيادتها بالحرس الايراني وبفيلق القدس الفارسي ويتشكل هيكلها التنظيمي من الـ(نصيرية) وليس من مكونات الشعب العربي السوري. والملاحظ: عدم وجود تمثيل دبلوماسي عربي واوربي واسيوي وافريقي سوى السفارة الإيرانية والروسية وبضع سفارات على عدد اصابع اليد.. فنظام دمشق يعيش في عزلة اقليمية ودولية خانقة. تعمل على هذه الساحة مليشيات مصدرها حزب الله اللبناني وهو ذراع عسكري للنظام الايراني، ومليشيات مصدرها العراق موالية، ومليشيات كردية- سورية مناهضة للنظام وكردية مناهضة لتركيا، وكردية تابعة لحزب مسعود برزاني في الحكم الذاتي شمال العراق، فضلاً عن قواعد ومقرات عسكرية واستخباراتية ايرانية وامريكية وتركية إلخ. ربما تتعايش قيادة حماس السياسية في هذه الساحة المفتوحة والمكتظة بالمليشيات والعصابات والاسلحة ومخازنها الايرانية العابرة لحدود العراق الى ما وراء نهر الفرات صوب البحر المتوسط.. وسبب انفتاح هذه الساحة هو ولاء نظام دمشق للنظام الايراني ايديولوجيا وامنيا واستراتيجيا ، إلا ان هذه الساحة بما تحمله من احتكاكات وتصادمات يصعب السيطرة عليها اضطرت طهران الى سحب الويتها المسلحة مثل (فاطميون وزينبيون وفيلق القدس) لمعالجة اوضاع الصدامات العرقية والطائفية والسياسية على الحدود الايرانية- الاذربيجانية والحدود الايرانية البلوشيستانية والحدود الايرانية- الباكستانية، فضلا عن الاوضاع المضطربة في عربستان واوضاع عصابات الحكم في العراق الموالية لإيران وفسادها وتفسخها وتصادماتها المستمرة بأسلوب تصفية الحسابات، فيما فقدت طهران سيطرتها على هذه الاحزاب والمجاميع الاجرامية الفاسدة. واللافت، أن المحتل الامريكي يحاول ان يخرج من مأزقه بربط حكومة العراق ومن ثم الحزب التوافقي السياسي الحاكم (حزب الدعوة) من خلال تجديد اتفاقية البيت الأبيض التي وقعها نوري المالكي في واشنطن، والتي جددها محمد شياع السوداني في واشنطن مؤخراً، وذلك تحت المظلة الأمريكية والإيرانية المشتركة لتكريس ما يسمى التوازن مع باقي (الإطار التنسيقي).. ومع كل ذلك فإن المحاولة الأمريكية، رغم تجديد المعاهدة لم تمنع الفساد والتآكل في هياكل الدولة، ولم تمنع التصادم بين القوى الحاكمة وإطارها العصابات والمليشيات ومكاتب المرتزقة في الوزارات وشبكات الدعارة ومكاتبها في وزارة الداخلية ووزارة الدفاع ودوائر أجهزة الأمن ووزارة النفط والصحة والتربية والتعليم والإعلام.. هذه الأجهزة تشترك في تخريج الفاسقين ونشر الموبقات وإشاعة الرذيلة ومن ثم التفسخ (Corruption). وعلى اساس هذا الواقع المزري والمظلم لن تتمكن امريكا من ضمان مصالحها ولا حتى إيران طالما تعيش مأزقاً مركباً أمام شعوبها من جهة، وأمام محيطها الخارجي من جهة ثانية. ثالثاً- اما تركيا، التي وضعها ابو مرزوق في نهاية خياراته والتي زارها اسماعيل هنية قبل ذلك، فان الخيار غير مضمون لاعتبارات الدولة التركية وتوجهاتها ومن اهمها التطلع التركي الى ما تسميه العمق الاستراتيجي الذي يشتمل على البحر المتوسط ودول المشرق العربي من جهة والخليج والشمال الافريقي مصر- ليبيا- تونس- المغرب- الجزائر، حيث المصالح التركية التجارية والاقتصادية والامنية والعسكرية والاستراتيجية أيضاً.. ويمكن الرجوع الى محاولات تركيا العديدة للتقرب من مصر التي وضعت شروطها لعودة علاقاتها مع انقرة وفي مقدمتها تسليم بعض عناصر حزب الاخوان المصري الذين ارتكبوا جرائم في مصر ودانتهم المحاكم المصرية أولاً وترحيل قيادة الإخوان من تركيا وغلق مقراتهم ومنع منصاتهم الإعلامية التي تحرض على الاقتتال الداخلي والحرب الاهلية ثانياً. وقد استجابت انقرة لهذا الطلب وعلى أثر ذلك فرت قيادة الاخوان الى لندن وطلبت الاقامة في إيران وحولت حساباتها الى المصارف الايرانية عبر مصارف الامارات وسلطنة عمان. فتركيا دولة مؤسسات، تعمل على اساس التوازن بين (متطلبات ومستلزمات الاستراتيجية التركية وبين أيديولوجيا حزب أردوغان العدالة والتنمية).. فإذا قبلت انقرة بوجود حماس على اراضيها فهذا الوجود سيكون مقيدا وضمن شروط انقرة التي يجب مراعاة استراتيجية الدولة التركية. والخلاصة في هذا المنحى، أن لا مكان مفتوح ستجده قيادة حماس السياسية في العاصمتين عمان وانقرة إلا ضمن شروطهما عدا الساحة السورية فهي ساقطة اساساً. بيد ان السؤال المهم لماذا تغادر حماس الدوحة؟ وما الذي دفعها الى إخلاء مقرها في العاصمة القطرية؟ هل أدركت حماس تورطها في غزة؟ وهل تأكدت ان طهران قد زينت لها الامر وامدتها سابقا بالأموال والسلاح ثم نكثت بوعودها وورطتها في غزة لأسباب ذكرناها في مقال سابق.. هذا الادراك المتأخر هو الذي جعل القيادة السياسية تفتش لها عن مكان آمن في الدول الثلاث التي تحدث عنها ابو مرزوق ونوه بشأنها خالد مشعل. الحرب في غزة ما تزال حمام دم والاجتياح والتدمير والتهجير مستمر ولا أحد يستطيع وقف إطلاق النار وليس هناك اية رؤية كما يقال في نهاية النفق تجسيدا لقول خامنئي حين زاره اسماعيل هنية في رمضان الماضي وطلب منه ان يفتح جبهة جنوب لبنان لتخفيف الضغط على غزة قال خامنئي لهنية بالحرف الواحد (خذ فطورك وارحل، إن حزب الله في جنوب لبنان هو جوهرة الاستراتيجية الايرانية التي لا يمكن التفريط بها).!!