القمع التعسفي لعملية التعبير عن الرأي يفضح حقيقة الديمقراطية المزيفة في أمريكا أ.د. مؤيد المحمودي لقد نصبت أمريكا نفسها كحامية للديمقراطية في العالم فصارت توجه الانتقادات اللاذعة للعديد من الدول متهمة اياها بممارسة وسائل قمعية ضد الحركات المحلية المناوئة لسياساتها. وكان أحد أسباب هذا النقد الأمريكي لتلك الأنظمة هو اتهامها بمصادرة عملية التعبير عن الرأي. وقد أفردت جزءا كبيرا من هذا النقد لدول الشرق الأوسط، باستثناء اسرائيل لأنها تعتبرها الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تمتلك نظاما ديمقراطيا على الطريقة الغربية. بالرغم من أن اسرائيل تمارس شتى أنواع الاضطهاد والتنكيل والتشريد وانكار الحقوق المشروعة ضد الشعب الفلسطيني. بل أن أمريكا ذهبت الى أبعد من ذلك عندما تدخلت عسكريا في شؤون نظام وطني مستقل مثل العراق عام 2003 تحت ذرائع واهية مثل اقامة نظاما ديمقراطيا فيه ولكنها عوضا عن ذلك حولته الى مستنقع فاسد تعصف به الأزمات وتسوده شريعة الغاب تحت قيادة العصابات الولائية. وهكذا استخدمت أمريكا مفهوم الممارسة الديمقراطية بصورة انتقائية كسلاح تنتقم به بمن تشاء وتغض الطرف عمن تشاء حسب المصالح التي تتناسب مع سياستها. وفي هذا السياق لجأت حكومة الولايات المتحدة الى ممارسة هذه الازدواجية في المعايير بصورة خاصة مع روسيا التي اتهمتها بانتهاك الديمقراطية في حربها ضد أوكرانيا ولم تطبق هذه القاعدة على حرب اسرائيل ضد غزة بالرغم من أن الضحايا من المدنيين الأوكرانيين لم يصل الى عشر عدد المدنيين الفلسطينيين الذين قتلوا على يد الجيش الاسرائيلي. معتبرة أن الابادة الجماعية التي تمارسها اسرائيل ضد سكان غزة العزل تندرج تحت عملية الدفاع عن النفس. ولم تعد هذه السياسة الأمريكية المجحفة بحق الشعب الفلسطيني خافية على المجتمع الأمريكي وخاصة أمام شريحة الشباب الذين اهتدوا الى الحقيقة مؤخرا بعد أن أظهرت وسائل التواصل الاجتماعي ما يجري من جرائم اسرائيلية في غزة كانت دائما تخفيها أبواق الاعلام الأمريكية التي تخضع الى سيطرة الدوائر الصهيونية. وعلى أثرها اجتاحت معظم الجامعات الأمريكية المرموقة احتجاجات كبيرة شهدت بعض الاعتصامات الطلابية وهي تطالب بوقف الحرب على غزة وحجب الدعم الاميركي خاصة الذي يتعلق بالبحوث والتسهيلات العلمية الأخرى من وسائل الدعم التي تقدمها الجامعات للكيان الصهيوني. وقد شملت هذه الاحتجاجات لحد الأن حوالي 120 جامعة أمريكية، مما أثار حفيظة الجهات الرسمية الحكومية على حجم هذا الحراك الطلابي الواسع فحاولت شيطنة تلك الاحتجاجات بإلصاق تهمة معاداة السامية فيها. إلا أن مشاركة عدد من الطلبة اليهود في الاحتجاجات المذكورة قد أضعف من تأثير هذه التهمة. ولم تنفع وسائل التهديد والطرد الذي تعرض لها بعض الطلبة والأساتذة المشاركين في الاعتصامات من ايقاف تلك الاحتجاجات. عندها لجأت السلطات الحكومية الى قوات الشرطة لاقتحام بعض الجامعات وفض الاحتجاجات بالقوة. وهذا الاسلوب التعسفي الذي مارسته السلطات الأمريكية ضد المحتجين السلميين لا ينسجم مع حرية التعبير عن الرأي الذي طالما تبنته الادارة الأمريكية في سياستها الخارجية. علما أن هذه الأساليب البوليسية لم تنجح في وقف زخم الاحتجاج الطلابي الذي بات يهدد بالتمدد الى الشارع الأمريكي بعد التعاطف الملحوظ الذي قدمته له فئات أخرى في المجتمع. وإذا ما علمنا أن معظم القادة السياسيون ورجال الاقتصاد المؤثرين في أمريكا هم بالعادة خريجون هذه الجامعات المنتفضة وخاصة جامعة كولومبيا في نيويورك لذا من المتوقع أن يتخرج جيلا جديدا في المستقبل يحمل أفكارا تناهض الصهيونية وتحمل وعيا أكثر تفهما للقضية الفلسطينية. في السابق نجح الحراك الطلابي في تغيير السياسة الأمريكية اتجاه الحرب في فيتنام وممارسة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. اليوم تسجل عملية طوفان الأقصى انجازا جديدا غير مسبوق في دعم القضية الفلسطينية بعد أن انتشرت عدوى الاحتجاجات الشبابية ضد الحرب في غزة الى أوروبا وباقي دول العالم الأخرى. وهذا الدعم الواسع حتما سوف يبقي القضية الفلسطينية حية في ذاكرة الرأي العام العالمي بعد المحولات البائسة لاجتثاثها من قبل نتنياهو وحكومته المتطرفة. كذلك سوف يولد ضغطا سياسيا كبيرا لمناصرة هذه القضية على أصحاب القرار السياسي خاصة في أمريكا والدول الغربية الأخرى.