يَبقى البَعْثُ حرَكةً مُتجَدِّدةً وأملاً مَفتوحاً على المُستَقبَل د. أحمد شوتري الحركات التاريخية في حياة الأمم والشعوب، حركات متجددة على الدوام، وامل ممتد عبر السنين، حتى تتحقق جميع أهدافها المشروعة، التي صيغت في برامج طويلة الأمد. وتختلف الحركات التاريخية عن الثورات مهما كانت عظمتها، لأن الثورات محكومة بزمن وأهداف محددة، وتأخذ في بعض الأحيان صورة رد الفعل، لذلك وصف مؤسس البعث المرحوم أحمد ميشيل عفلق البعث بالحركة، لأنها تعمل لمئات السنين، وتتفاعل مع الزمن وارهاصاته، وتنتقل عبر الأجيال. فالوحدة كهدف أسمى للبعث، رغم أنها ليست ابتداع أو اجتهاد، إنما هي استرجاع لحق الأمة الذي ضاع بفعل الزمن والصراع ما بين الأمم، وفواعل ميزان القوى والتقدم، فالأمة العربية كغيرها من الأمم مرت بعصر الولادة، والنمو والتقدم والقوة. واخذت من الزمن أمداً طويلاً، امتد لقرون، وضعفت وتراجعت لصالح أمم أخرى، واليوم هي تصارع الزمن والأمم المهيمنة بهدف استعادة حقها في الوحدة والحرية والتقدم، كحق تاريخي لها، وترفض أن تكون أمة ثانوية، لأنها أمة الرسالات والعدل والمساواة ما بين الأمم والشعوب، أمة اختارها الله سبحانه كأمة قائدة للتوحيد والقيم الإنسانية وشاهدة على الناس إلى يوم يبعثون. لقد جاءت حركة البعث لاستنهاض الأمة وضبط مقدراتها، والارتقاء بها إلى مصافي الأمم الأخرى لاستئناف رسالتها التاريخية، وصاغ البعث مشروع الأمة في النهضة بشعاراته المعروفة: الوحدة والحرية والاشتراكية، والرسالة الخالدة. وتتقدم الوحدة شعاراته الأخرى، لأنه بدونها لا يمكن لأمة أن تنهض وتستأنف دورها، والحرية كشعار لإطلاق العنان لعبقريتها للإبداع، والتعبير عن رسالتها الإنسانية. والاشتراكية كعامل نهضة مادي لتحرير الإنسان العربي من التبعية، والشعارات الثلاثة بمجموعها تشكل عمل متكامل لصياغة مشروع النهضة. في ذكراه السابعة والسبعين لا تجد الأمة العربية مخرجاً لحالتها الراهنة للتحرر والتقدم إلا في مشروع البعث، أمام التحديات الكبرى التي يعيشها العالم اليوم. والتي يشكل العامل الاقتصادي والتقدم العالمي الهائل عنوانها الرئيسي، فالأمة العربية لا تستطيع أن تجاري العالم وسط هذه الصراعات إلا بعد وحدتها. فكانت تجربة البعث في العراق المحتل نواة صلبة عبرت عن أهداف البعث بكل أمانة حيث أعطت للأمة العربية نموذجها المتكامل والمطلوب في النهضة، لذلك تكالب عليها الأعداء من كل حدب وصوب، داخلياً قبل الخارج، ورغم تعطيلها فإنها ماتزال تقاوم داخل العراق وتقدم التضحيات. فالبعث سيظل دوماً حركة متجددة وأمل مفتوح على المستقبل ولا يمكن وقفه بإرهاصات عارضة مهما كانت شدتها وتداعياتها السلبية. فالبعثيون اليوم كقوة نضالية عربية موحدة موجودون على طول الوطن العربي وخارجه يناضلون ومسلحون بتجاربهم، وكلهم أمل في اعلاء صرح حزبهم، والتطلع إلى المستقبل بثقة، فالبعث في الجزائر مثلاً لم يكن في السنوات السابقة يستطيع أن يقيم حفلاً علنيّاً كبيراً، أو يفكر في المشاركة في الانتخابات، واليوم نحتفل بمثل هذا الزخم ونفكر في المشاركة وكلنا امل في تحقيق مكاسب جديدة لحركتنا النضالية. البعث حركة ثورية لا تقبل السكون ولا بأنصاف الحلول في قضايا الأمة المصيرية، وعليه يرى في معركة طوفان الأقصى في فلسطين المحتلة خير معبر عن تطلعات الأمة في التحرير الكامل لفلسطين المحتلة من النهر إلى البحر، في وقت بدأ الكيان الصهيوني الغاصب يعد العدة لوأد ثورة شعبنا في فلسطين و طي قضيته الوطنية، فالطوفان أعاد احياء القضية الفلسطينية كقضية جوهرية في حياة الأمة كوصف البعث لها، وتعظيم التضحيات الكبيرة التي قدمها شعبنا في فلسطين بفصائله المختلفة عبر أكثر من سبعة عقود، وعليه يحتفل البعث اليوم في ذكراه السابعة و السبعين على وقع ثورة فلسطين، التي وضعت حداً للتآمر الدولي و الرسمي العربي و يفتح الباب أمام ثورة الأمة بأجمعها من أجل تحرير فلسطين ووحدتها. تحية اكبار وإجلال لشعبنا الثائر في فلسطين انطلاقاً من غزة الصامدة تحية لكل مناضلي البعث وأحرار الأمة. تحية للجزائر بروح شعبها الثائر في مساندة شعبنا في فلسطين. الرحمة على روح القائد المؤسس أحمد ميشيل عفلق. الرحمة على روح قائد البعث الشهيد صدام حسين ورفاقه. الرحمة على شهداء الجزائر والأمة العربية.