هل نتنازل عن حق التعويض؟ أحمد صبري من المناسب ونحن نستعيد الذكرى الـ(21) لغزوِ واحتلال العراق أن نتوقفَ عند أهم صفحاتها وهي تعويض العراق عن الخسائر التي تكبَّدها جرَّاء عدوان أثبتت كُلُّ الوقائع بطلانه قانونيًّا وأخلاقيًّا بشهادة من حرَّض ودفع باتجاه الخيار العسكري ضد العراق. وعلى الرغم من الدعوات الخجولة التي يطلقها البعض التي تضمنت مطالبة الولايات المتحدة بدفع التعويضات للعراق جرَّاء غزوها واحتلالها، وما أصابه من خسائر بشرية ومادية ما زالت تداعياتها متواصلة، إلَّا أنَّها لم تصل إلى حد المطالبة الجادَّة بالتعويض ومتابعة هذه القضية رغم مرور (21) عامًا؛ لأنَّها تؤسِّس لموقفٍ وأرضية لها أسانيد قانونية وأخلاقية، وتفتح الباب للبدء بحملة واسعة لإجبار الولايات المتحدة على دفع التعويض، لا سيما أنَّ مبررات ومزاعم الغزو كانت باطلة ولا تستند إلى الحقائق، لا سيما اعتراف بعض رموز إدارة بوش الابن ببطلان مزاعم امتلاك العراق لأسلحة محرَّمة دوليًّا وتهديده للأمن القومي الأميركي وعلاقته بتنظيم القاعدة. وما يؤكد خلو العراق من أسلحة الدمار الشامل أنَّ فِرق التفتيش والمخابرات الأميركية جالت بمُدن العراق ولم تعْثُر على تلك الأسلحة المزعومة التي كانت تبحث عنها، وتُوهم العالم أنَّ العراق يمتلكها. وما يُعزِّز موقف المطالبين بالتعويضات اعتراف وزير الخارجية الأميركي الأسبق كولن باول بأنَّ ما عرضه من اتهامات ومعلومات عن شاحنات كانت تحمل أسلحة محظورة خلال اجتماع مجلس الأمن قبل (21) عامًا كان مبالغًا فيه، وغير صحيح وهو نادم على تلك الرواية. كما أنَّ شهادة مدير الاستخبارات المركزية الأميركية جورج تنت الذي أكد بِدَوْره خلوَّ العراق من الأسلحة المزعومة وتشكيكه برواية مَن روَّج لقرار الحرب على العراق، ونفيه أنَّه أعطى الضوء الأخضر حول امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل كما ورد في كتابه (في قلب العاصفة) وهذا ما أكده أيضًا مدير وكالة الطاقة الذرية محمد البرادعي في كتابه (سنوات الخداع). ويضاف إلى حقِّ العراق بطلب التعويضات ما خلَّفه العدوان عليه والنتائج المدمِّرة التي لحقت بالعراقيين جرَّاء كذبة استخدمتها واشنطن لِتَسويقِ عدوانها على بلدٍ تحوَّل إلى بلدٍ فاشل يتصدر قائمة الدول الفاشلة التي ينخرها الفساد، وينهب ثروتها اللصوص الذين يستظلون بمراكز قوى داخل النظام، كما أنَّ الحُرية والديمقراطية التي وعدت إدارة بوش العراقيين بها تحوَّلت إلى كابوس ينغِّص حياتهم بفعل جرائمهم التي ارتكبوها طيلة وجودهم في العراق والقوانين الاجتثاثية التي أوقعت أفدح الخسائر بملايين العراقيين، فضلًا عن فشل الطبقة السياسية التي تحكم العراق في تحقيق الأمن والاستقرار، والحفاظ على ثروات العراقيين. وحتى لا يسقط حقُّ العراق بالتقادم فإنَّ المطالبة بالتعويضات ليست كافية من دون جلب المتورطين بحملة التحريض ضد العراق، وترجيح الخيار العسكري على سواه إلى ساحة القضاء الدولي؛ لِمَا سبَّبوه من تداعيات على العراق والمنطقة والعالم لِينالُوا جزاءهم العادل لِيكونُوا عبرة لِسواهُم مهما طال الزمن.