غياب التعاطف العربي مع إيران نواف شاذل طاقة في الظروف الطبيعية، كان من المفترض أن يتعاطف العرب مع إيران عندما شنت هجومها الأخير على إسرائيل بسبب جرائم الصهاينة ضد أهلنا في فلسطين المحتلة، غير أن الغالبية العظمى من العرب لم تظهر ذلك التعاطف. صديق ذو جذور إيرانية غضب مني واتهم العرب بالخيانة بعدما أرسلت له مقالة نشرها كاتب عراقي بارز حلل فيها بموضوعية استراتيجية إيران الذرائعية حيال إسرائيل. لقد تعددت أسباب غياب التعاطف العربي مع إيران، وأبرزها أن طهران نفسها أعلنت صراحة أنها تستهدف إسرائيل رداً على هجوم الأخيرة على قنصليتها في دمشق، أي أن الأمر لا يتعلق بجرائم إسرائيل في غزة. لن أخوض بفضيحة التنسيق والاتصالات المسبقة بين طهران وواشنطن وتل أبيب بشأن الهجوم وتوقيته، حتى أن إسرائيل منحت طلبة مدارسها عطلة محددة لمعرفتها بموعد الضربة، وهي ضربة لم تسفر حتى الآن عن جرح ذبابة. بيد أن أسباب عدم تعاطف العرب مع إيران أعمق مما تقدم، وقدر تعلق الأمر بالعراقيين، فإنهم لا يمكن أن ينسوا أن إيران تتقاسم مع الولايات المتحدة منذ أكثر من عشرين سنة السيطرة على مقدرات العراق، وتنهب ثروات البلاد، وتدعم نظاماً سياسياً فاسداً أسسه الاحتلال الأمريكي وساهمت طهران وواشنطن يداً بيد في ذبح كل صوت معارض له. لقد فهم معظم العرب أن "الخلاف " الظاهري بين إيران وإسرائيل هو تخادم على النفوذ، تخادم على من يسيطر على النظام السياسي العربي المتهافت الذي يحكمنا، وبالتالي على من سيرث تركته. ما يجري اليوم هو تخادم حقيقي تحت غطاء خلاف ظاهري، على مستقبل الأمة بين جار فارسي حقود يحلم بإحياء إمبراطورية بائدة، وبين كيان اسرائيلي عنصري يحلم باحتلال أراضينا وإبادتنا جميعاً تماماً كما يفعل اليوم بحق أهلنا في غزة. يدرك اليوم كلا الطرفين، إيران واسرائيل، أن أحلامهما المريضة لا تتحقق إلاّ من خلال التفاهم والتناغم مع القوة الأعظم، وهذا ما قد يفسر ما حدث وما سيحدث.