التاسع من نيسان الأسود كما عشت تفصيلهأحمد صبريمن المناسب ونحن نتوقف عند تاريخ تحول بفعل ارتداداته حدا فاصلا بين مرحلتين هاشها العراق والمنطقة عموما ووجدت من المناسب ان اروي قصة الساعات التي سبقت واعقبت احتلال العراق عبر وتفاصيل ماجرى في التاسع من نيسان الاسمود كنت قد نشرت جانبا من صفحات ذلك اليوم الطويل وهذا نصهيستذكر العراقيون التاسع من نيسان/أبريل كل عام وبلدهم يسجل تراجعا من عام إلى آخر من فرط ما أحدثته تداعيات الاحتلال على حياتهم إلى حد وصف ذلك اليوم باليوم الأسود.ونحن نستحضر ما جري في ذلك اليوم فإننا نحاول أن نرصد مسار الأحداث واتجاهاتها في ذلك اليوم. كان صباح التاسع من نيسان حزينا وكئيبا بفعل تداعيات الحرب والأخبار المتناقضة حول مسارها حتى نهر دجلة كان كئيبا وليس ذلك النهر الذي كنا نعرفه حيويا ومتدفقا، وتحولت بغداد إلى مدينة أشباح يصول ويجول فيها اللصوص الذين دهموا المصارف الحكومية والأهلية، فيما استباح آخرون مؤسسات الدولة لإفراغها من محتوياتها، فيما لزم السكان بيوتهم بانتظار انجلاء الموقف.وبدأت تتسارع الأحداث، فقد اضطر الصحفيون الذين كانوا يقيمون في فندقي الشيراتون والمريديان إلى رفع الرايات البيضاء من على شرفات غرفهم تحسبا لتعرضهم للقصف الأميركي بعد أن أطلقت هذه القوات قذيفة أصابت الطابق السابع بفندق المريديان أدت إلى مقتل صحفية أجنبية.ولم يدر بخلد القائمين على المركز الصحفي أن إصرار وسائل الإعلام الأميركية والغربية وبعض وسائل الإعلام العربية على نقل أماكن عملهم من المركز الصحفي الكائن في منطقة الصالحية إلى فندقي عشتار شيراتون وفلسطين ميرديان الواقعين قبالة ساحة الفردوس لم يكن بدافع الخوف من تعرض هذا المكان إلى القصف، وإنما كانت أهداف هذا الإصرار الذي تكشف فيما بعد ـ إن قامت وسائل الإعلام بنصب الكاميرات فوق أسطح الفندقين وباتجاه ساحة الفردوس وكأن حدثا تاريخيا سيقع عند هذه الساحة.وشهدت ساحة الفردوس منذ صباح التاسع من نيسان/أبريل تجمع بعض السكان حتى صاروا بالعشرات مع اختفاء أي أثر لمظاهر السلطات العراقية في الشارع أو حوالي الفندقين.في هذه الأثناء كنت انا/مراسل راديو مونتي كارلو وصبحي حداد مراسل الإذاعة البريطانية والمرحوم فاضل اللامي مراسل صوت أميركا في شقة خلف فندق المريديان نتابع ما يجري، وإذ بالهاتف الدولي الذي كان بحوزة حداد يرن ويبلغ أن الدبابات الأميركية وصلت ساحة الفردوسوحتى نصل إلى قلب الحدث (ساحة الفردوس) وهي لا تبعد قليلا عن مكاننا تطلب منا رفع الرايات البيضاء بأمر من القوات الأميركية، وعند وصولنا لاحظت أن العديد من مراسلي الوكالات الأجنبية يستخدمون هاتف الثريا الذي منعت السلطات العراقية استخدامه.وحاول العشرات إسقاط تمثال صدام إلا أنهم فشلوا في ذلك، ما دفع رافعة أميركية إلى اختراق الساحة باتجاه التمثال الضخم، وعند وصول الرافعة إلى رأس صدام قام أحد الجنود الأميركان بتغطية رأس صدام بالعلم الأميركي ما أثار احتجاج الحاضرين، ودفع بعضهم إلى استبداله بالعلم العراقي.وكان إسقاط تمثال صدام في ساحة الفردوس بداية النهاية لاحتلال العراق، غير أن الحقائق في تلك اللحظات كانت تشير إلى أن القوات الأميركية في ذلك اليوم لم تصل إلى نصف أحياء بغداد، وأن محافظات نينوى وديالى والأنبار وصلاح الدين وكركوك لم تدخلها القوات الأميركية وكانت في قبضة القوات العراقية.من هنا كانت الرمزية في إسقاط تمثال صدام في وسط ساحة في قلب بغداد كرسالة للجميع مفادها أن بغداد والعراق كله أصبح تحت السيطرة، في حين توجه صدام ظهر التاسع من نيسان إلى منطقة الأعظمية وحيا الذين تجمعوا لتحيته وكان معه عدد من أفراد حمايته، وعندما انتهى من ذلك توجه إلى جهة مجهولة.وأمام هذا المشهد والفوضى التي عمت ساحة الفردوس استعرت هاتف الثريا من زميل يعمل في إحدى الوكالات ونقلت ما جرى لمونتي كارلو مؤكدا أن العراق بفعل احتلاله دخل مرحلة لا أحد يتوقع ماذا سيحدث خلالها. وكان آخر مؤتمر صحفي لوزير الإعلام محمد سعيد الصحاف كان على سطح فندق الشيراتون الذي أكد فيه ثبات الموقف العراقي على مواصلة القتال، بعدها توجه إلى المقر البديل في الأعظمية.