كيف يعيد العراق آثاره وتراثه المنهوب؟ أحمد صبري ما زال ملف الأرشيف اليهودي الَّذي عُثر عَلَيْه إبَّان احتلال العراق يراوح مكانه ما بَيْنَ رفض أميركا إعادته للعراق بذريعة التَّرميم والصِّيانة وبَيْنَ سعي «إسرائيل» للاستحواذ عَلَيْه. فتحوَّل هذا الملف إلى قضيَّة ما زالت تداعياتها متواصلةً على أكثر من صعيد إلى حدِّ مناشدة اليونسكو والإنتربول لاستعادة آثاره وتراثه المنهوب؛ كونه جرى سرقته منذُ العام 2003 ولغاية الآن يرفض مركز (نارا) الأميركي الَّذي تولى صيانة وترميم الأرشيف العِبري العراقي، ويرفض تقديم إجابات حَوْلَ مصير الأرشيف اليهودي؛ باعتباره من الموروث لبلاد ما بَيْنَ النَّهرَيْنِ والاستحواذ غير القانوني من قِبل «إسرائيل» على مخطوطة عِبريَّة عراقيَّة ومسؤوليَّة الولايات المُتَّحدة الَّتي أخرجت هذه المخطوطات بحجَّة ترميمها بتقديم إجابات واضحة حَوْلَ هذا الموضوع. وبحسب معنيِّين بالآثار فإنَّ الأرشيف اليهودي يحتوي على آلاف الكتب والمخطوطات والوثائق، بما في ذلك النُّصوص الَّتي يعُودُ تاريخها إلى القرن الـ(16) فهو موجود حاليًّا في الأرشيف الوطني في واشنطن؛ لأنَّه على حدِّ وصْف مسؤولين «إسرائيليِّين» يُمثِّل مصير اليهود. وكان مدير المخطوطات العراقي الأسبق أسامة ناصر النقشبندي، كشف عن تمكُّن جهاز المخابرات «الإسرائيلي» (الموساد) من السَّيطرة على أكبر مكتبة يهوديَّة أثريَّة في العراق، كانت محفوظة في دائرة أمنيَّة سابقة، مبَيِّنًا أنَّ ضبَّاطًا من وكالة المخابرات الأميركيَّة (CIA) هُمْ مَن سهَّلوا تهريب تلك الوثائق العراقيَّة. يُذكَر أنَّ دراسة أميركيَّة بعنوان (استهداف المخطوطات في العراق خلال الحرب 1991- 2003) ذكرَتْ أنَّ ممثِّل وزارة الدِّفاع (البنتاجون) أُرسلَ للإشراف على هيئة الآثار والتُّراث العراقيَّة، وأنَّه هو الَّذي كان وراء نقْلِ المخطوطات إلى أميركا. وكانت صحيفة هآرتس «الإسرائيليَّة» قَدْ بَيَّنَت أنَّ النَّائب العمَّالي اليهودي موردخاي بن بورات، وهو أحَد المُنحدِرين من يهود العراق، وباحث في مركز إرث يهود بابل، كشَفَ عن حصول الكيان الصهيوني على المخطوطات الأثريَّة الثَّمينة، وتعليق نادر لسِفر أيوب نُشر سنَة 1487 وقِسم من كُتب الأنبياء المنشورة في البندقيَّة سنَة 1617 من مخازن حصينة لأجهزة الأمن العراقيَّة السَّابقة. كما كشَفَ مؤرِّخ أميركي كيف أسْهَم في إخراج آلاف الوثائق والكُتب والمخطوطات المتعلِّقة باليهود الَّتي كانت بحوزة العراق، وكيف أسْهَم المُحرِّض على احتلال العراق أحمد الجلبي في الإبلاغ عن الأرشيف اليهودي لَهُ، وكيف تردَّد الأميركيون في بداية غزو العراق العام 2003، في المساهمة بالاستيلاء على هذا الأرشيف. ونخلص إلى القول: لَمْ يُكتفَ بغزو العراق واحتلاله، وإنَّما طاولَ إرث العراق وتاريخه وأرشيفه الوطني في محاولة لِتَدميرِه، في استباحة لَمْ يشهدْها التَّاريخ لإخراج العراق من ذاكرة التَّاريخ كبَلدٍ كان وما زال عنوانًا للأصالة وعصيًّا على الأعداء.