الكيان الصهيوني يتخذ من اقتحام مستشفى الشفاء غطاء لإحكام سيطرته على مخطط تجويع شمال غزة أ. د. مؤيد المحمودي منذ بداية الحرب على غزة واسرائيل تطلق الكذبة تلو الأخرى حول المنجزات العسكرية التي تزعم تحقيقها ضد المقاومة الفلسطينية. والهدف الحقيقي من إطلاق هذه الانتصارات الوهمية هو تخدير الشارع الاسرائيلي كي يبقى مستعدا لتقبل استمرار الحرب مازالت هناك مكاسب يحققها الجيش الاسرائيلي بصورة متواصلة. وتدخل عملية اقتحام مستشفى الشفاء الأخيرة التي تتم للمرة الرابعة ضمن هذا المسلسل من الوهم المبرمج الذي يحاول الجيش الاسرائيلي تسويقه الى الداخل الاسرائيلي. وقام بعملية الاقتحام لواء مدرع مع كتيبة قوات خاصة وتسببت في مقتل العشرات من المدنيين كما تخللها عدة اعدامات ميدانية شملت بعض الكوادر الطبية وأجبرت الألاف من اللاجئين والمرضى الى النزوح منها باتجاه جنوب غزة. وقد أثيرت الكثير من التساؤلات عن السبب الحقيقي وراء القيام بتكرار مثل هذه العمليات العسكرية لمجمع طبي كبير سبق وان فشلت اسرائيل في العثور على أي دليل يؤكد على تواجد قوات المقاومة فيه. وحسب الرواية الاسرائيلية فان الأهداف الرئيسية لاجتياحه هذه المرة هو القضاء على بعض القيادات للمقاومة الفلسطينية التي نجحت في اعادة تنظيم صفوفها في داخله. ولتقديم برهان على صحة هذه الرواية قام الناطق العسكري للجيش الإسرائيلي بنشر صور لقادة المقاومة وبعض المقاتلين مدعيا تصفيتهم أو القاء القبض عليهم في عملية اجتياح المجمع. حتى تبين بعد ذلك زيف هذا الادعاء الاسرائيلي عندما صرح مسؤول أمني في المقاومة الى قناة الجزيرة بأن القائمة التي قدمتها اسرائيل غير دقيقة لأن قسما منها تعود لأشخاص خارج غزة حاليا، أو استشهدوا سابقا أو لأطباء أفرج عنهم الاحتلال في الماضي. وقد أكد نشطاء من غزة عبر التواصل الاجتماعي المعلومات التي أشار اليها المسؤول الأمني في المقاومة حول حقيقة الأخطاء في تلك القائمة، بل أضافوا الى أن الكثير من الأسماء التي وردت فيها تعود إلى أشخاص لا يرتبطون أصلا بالمقاومة. كما لمحت صحيفة يديعوت احرونوت الاسرائيلية الى ورود بعض الأخطاء في تلك القائمة. وأمام هذه التفنيدات الدامغة لم يمض وقت طويل حتى تراجع المتحدث باسم الجيش عن أقواله حول تلك القائمة معللا ذلك "بسبب خطأ بشري نشرنا صورا لأشخاص على أنهم اعتقلوا في مستشفى الشفاء بغزة وهم ليسوا معتقلين". ويعقب المسؤول الأمني في المقاومة على تلك المغالطات الاسرائيلية بأن "ما ينشر عبر الإعلام الإسرائيلي غير دقيق، ويدخل ضمن الحرب النفسية والمعنوية ضد المقاومة في قطاع غزة". وبالإضافة الى الحرب النفسية فان العدو الاسرائيلي يعول على فبركة هذه الروايات من أجل البحث عن صورة نصر يفتقدها بعد 6 أشهر من العدوان، رغم ما ارتكبه من مجازر مروعة بحق المدنيين والنساء والأطفال. خاصة وأنه فشل لحد الان في اعتقال أيا من قادة المقاومة المعروفين، وما زالت تلك القيادة تمتلك المقدرة على قيادة المعركة، واداء دورها في التحكم والسيطرة. من ناحية ثانية اتضح أن اجتياح مجمع الشفاء لم يكن الهدف الرئيسي المقصود بل هو مجرد عملية استخبارية استغلت للتمويه والتغطية على عملية أخرى أهم تتعلق بإحباط محاولات فك الحصار الذي فرضته اسرائيل على ايصال المواد الغذائية الى شمال قطاع غزة. وقد قاد هذه الخطوة الجريئة عميد الشرطة فائق المبحوح الذي كان مدير العمليات في قوة شرطة غزة، وهي جزء من الإدارة المدنية لحكومة غزة وليس له علاقة مباشرة مع النشاطات العسكرية للمقاومة. وقد أشرف بنفسه على هذه المبادرة الانسانية بالتعاون مع بعض أفراد الشرطة بلباس مدني بسبب استهدافهم سابقا من قبل القوات الاسرائيلية، وبمشاركة أيضا من بعض أبناء العشائر ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) والمنظمات الدولية الأخرى. وقد نجحت هذه المبادرة الى إدخال 15 شاحنة مساعدات في أيام قليلة إلى شمال القطاع بعد أشهر من الحرمان الذي فرضته اسرائيل عليه. وكان هذا الايصال الناجح للمساعدات الغذائية هو ما دفع الجيش الإسرائيلي في اليوم التالي إلى شن غارته القاتلة على مستشفى الشفاء وقيامها باغتيال العميد المبحوح. وكعادتها اسرائيل ادعت كذبا أنها شنت عملية دقيقة على مستشفى الشفاء لاستهداف أحد كبار رجال المقاومة وهو فائق المبحوح، بعد أن زعمت بأنه كان يخطط لشن هجمات على إسرائيل. ولم تكتفي بذلك بل قامت لا حقا باغتيال ضابطين أخرين للشرطة الفلسطينية ساهما في مشروع ايصال المساعدات. كما ترافق ذلك مع قيام الطيران الاسرائيلي باغتيال 23 فلسطينيا على الأقل من اللجان العشائرية التي كانت تقوم بتأمين عملية توزيع المساعدات عند دوار الكويت بمدينة غزة. وهذه الأحداث التي طالت الأشخاص المشرفين على ايصال المساعدات الغذائية الى شمال غزة تكشف نوايا إسرائيل في هندسة المجاعة والمساهمة في الانهيار الاجتماعي، وبذلك فهي تقود حربا ليست فقط ضد المقاومة في غزة فحسب، بل أيضا تستهدف الابادة الجماعية للسكان المدنيين فيها.