كي لا ننسى جريمة أمريكا في طريق الموت في العراق فؤاد الحاج في يوم 27 وتحديداً في ليلة 26/27 من شهر شباط/فبراير عام 1991 وقعت واحدة من أكبر المجازر البشرية في العراق، وكانت أكثر دموية ووحشية من غيرها من المجازر حتى ذلك التاريخ. لقد وقعت تلك المجزرة على الطريق (80 السريع) الذي يربط مدينة الكويت بمنفذ العبدلي الحدودي على الحدود الكويتية العراقية ومن هناك في صفوان الطريق الرابط من صفوان إلى البصرة. بعد أن تم إعلان وقف إطلاق النار من قبل أمريكا وموافقة العراق، وبدأ الجيش العراقي انسحابه من الكويت في طريقه إلى البصرة، تنفيذاً لقرار مجلس الأمن رقم (660) حيث أمر الرئيس العراقي صدام حسين بانسحاب الجيش العراقي من الكويت. وفي هذا الصدد تلقى القائد الأعلى للقوات الأمريكية في الخليج الجنرال (نورمان شوارزكوف) أوامر مباشرة من الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب "بأن لا يترك أي أحد، أو أي شيء يغادر مدينة الكويت". وقد بدأ القصف حوالي منتصف الليل، حيث قامت في البداية الطائرات المقاتلة التابعة للولايات المتحدة ثم قامت بتفجير الآليات والعربات التي كانت في المقدمة وكذلك التي كانت في المؤخرة لغلق الطريق من أجل شل حركتها ومنعها من التقدم أو الرجوع إلى الخلف، ثم قاموا بعد ذلك بقصف القافلة المحتجزة في المنتصف ولساعات عديدة، دون انقطاع بمختلف أنواع القنابل. فقد استخدم طيران القوات الأمريكية والبريطانية والكندية والفرنسية في مجزرة طريق الموت عدداً من الأسلحة الفتاكة ضد قوات الجيش العراقي المنسحبة، منها (الذخائر العنقودية، قذائف A-10، ذخائر مافريك، والذخائر الحارقة الموجَّهة بالليزر)، كما تبين لاحقاً، حيث تحول ذلك الطريق من طريق سريع يؤدي إلى البصرة إلى طريق للموت، وهو طريق يبلغ طوله أكثر من 100 كم، وكان من ضمن الجيش العراقي آنذاك سكان من الكويت وسكان من المناطق المجاورة على امتداد ذلك الطريق من العراقيين متجهين إلى مدينة بغداد، لكن أوامر الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب كانت لهم بالمرصاد، فأصدر أمراً بعمل مذابح ومجازر جماعية للجيش العراقي خلال انسحابه، حيث استعملت أحدث أنواع الصواريخ والأسلحة على ارتفاع منخفض من القافلة المنسحبة، وقاموا بقصف تلك القافلة التي كانت تضم أكثر من 1400 مركبة مدنية وعسكرية عراقية، حيث احترقت فيها كل هذه المركبات وتفحمت جثث من كان فيها، وتناثرت الجثث في أماكن متفرقة من الطريق، واستُشهد أكثر من 10 آلاف جندي عراقي، وأعداد كبيرة لم يتم إحصائها حتى اليوم، وكان من بين الضحايا نساء وأطفال ومدنيين عراقيين كانوا يعيشون في الكويت، انسحبوا مع الجيش العراقي خشية الأعمال الانتقامية بحقهم، إضافة لسكان المناطق على طول طريق الموت. وقد وثقت الصحفية الأمريكية لبنانية الأصل "جويس شدياق" ما حدث في مجزرة طريق الموت خلال حديثها لمجلة "نيورك تايمز" عدد آذار/مارس 1991، قائلة: "تعرضت الشاحنات لقصف شـديد، لدرجة جعلها تلتصق بالأرض، وكان من المستحيل التعـرف بالنظر إليها ما إذا كانت تحمل سائقين أم لا، كما ذاب الزجـاج الأمامي لهذه الشاحنات تماماً، وتـم تحويل دبابات ضخمة إلى مجرد خردة حديدية، كما حاصرت الطائرات الأمريكية القوافل الطويلة عن طريق تعطيل المركبات من الأمام والخلف، ثم قصفت الاختناقات المرورية الممتدة على طول طريق الموت لساعات." وأضافت شدياق: "تخرق المجزرة التي ارتكبت في حق الجيش العراقي المنسحب القانون رقم 3 من معاهدات جنيف لسنة 1949 بشكل صارخ، هذا القانون الذي يجرّم قتل الجنود الذين هم خارج الحرب والقتال"، وقالت: "لم يتم إخراج هذه القوات العراقية من الكويت من طرف القوات الأمريكية كما تزعم إدارة الرئيس بوش، كما أنهم لم يكونوا ينسحبون من أجل إعادة هيكلة وحداتهم للقتال مجدداً، في الواقع لقد كانوا ينسحبون لأنهم أصبحوا خارج الحرب، لقد كانوا عائدين إلى منازلهم ببساطة." مضيفة: "إنها لجريمة حرب شنعاء أن تهاجم وتبيد جنوداً عائدين إلى منازلهم بهذه الطريقة المشينة." وبعد مرور سنوات على تلك المجزرة حاول الجنرال (نورمان شوارزكوف) كما جاء في عدد من المواقع الإعلامية تبرير ما كان قد حدث على "طريق الموت" قوله: "لقد كان أول سبب دفعنا لقصف ذلك الطريق السريع القادم من الشمال من الكويت هو أنه كان هناك عدداً كبيراً من الأسلحة الثقيلة والمعدات العسكرية فيه، ولقد أعطيت أوامر لكل من يقع تحت سلطتي على أنني أردت كل قطعة من تلك الأسلحة مدمرة تماماً. وثانيا، لم يكن هؤلاء مجموعة من الناس الأبرياء الذين كانوا يحاولون شق طريقهم إلى منازلهم عبورا للحدود العراقية، فقد كانوا مجموعة من المغتصبين، والقتلة، واللصوص الذين قاموا بقتل واغتصاب ونهب مدينة الكويت، والآن يحاولون الخروج من البلد قبل أن يتم إلقاء القبض عليهم." بعد ذلك جاء غزو العراق واحتلاله سنة 2003 ليسلم المنطقة برمتها إلى المجهول. أخيراً أقول أن تلك المجازر في العراق تمت بمساعدات مالية وعسكرية واستخباراتية من أنظمة بلاد نجد والحجاز ودويلات الخليج العربي الناطقة بالعربية ومصر والمغرب وسورية والبحرين وقطر والإمارات وغيرهم وتأييد إعلامي من بقية البلدان العربية التي تتباكى اليوم على مجازر الصهاينة ضد أهل غزة في فلسطين المحتلة. وليعلم كل عاقل أن الدول الاستعمارية لا عهد لها ولا ذمة ومخطئ من يظن أن للثعلب ديناً.