العرب وغزة بقلم: علي العبيدي هناك عشرات الملايين من العرب يؤمنون أن وطنهم العربي واحد، ويرون أن التجزئة فرضت عليهم فرضاً، وأن الوحدة العربية هي حل جذري لكثير مما تواجهه الأمة، ولنا أن نقول إن الوحدة هي الحل لكل مشاكل العرب الراهنة. هناك ملايين من العرب يشعرون بالحيف والقهر لأنهم لا يساهمون مساهمات جدية في العلوم الحديثة ولا دور لهم في إنتاج التكنولوجيا. وثمة عرب كثيرون جداً يتألمون لأن العرب تخلفوا في أساليب التربية والتعليم، وفي عالم الطب والخدمات الصحية، مقارنة بدول وأمم أخرى، ولا يوجد عربي حر شريف إلا ويشعر بالخذلان لأن أمتنا مغلوبة عسكرياً وسياسياً بسبب تفاهة الاستقلال الشكلي الذي تتمتع به أقطارنا، ولأننا نشتري السلاح، ونؤسس الجيوش لكي نغلب ونهزم وننكسر ونصاب بالنكبات. ونتيجة لهذه الأمور وغيرها الكثير فقد انخرط كثير من العرب في أحزاب ثورية وطنية وقومية، وأخرى دينية، يظنون أنها قادرة على تحقيق اختراقات في الجدران الصلبة التي قيدت حياة العرب وسجنتهم تحت ظلالها وظلامها، فما عادوا يرون الشمس، ولا الشمس تراهم، ومقابل حالة الوعي العربي هذه تحركت قوى الظلام الخارجية وأدواتها الداخلية لتصنع ألف شق وشق في جيوب القوى السياسية التي رأى فيها العرب حلاً لعوقهم وشلليتهم المستديمة من جهة، ولتصل إلى حد الحرب بكل أنواع الأسلحة لاجتثاث بعض هذه القوى التي ثبت أنها جادة وتعرف الطريق إلى حرية العرب وتحررهم وإطلاق طاقاتهم الخيرة. من هنا نشأت محن وكوارث عربية جديدة، سببها إما طبيعة القوى التي تأسست لابسة ثياب الخداع والزيف وخدعت من انضوى تحت خيامها أو العدوان الخارجي الذي تكالب ليبعد قوى وطنية وقومية أثبتت أنها قادرة على صناعة طريق الخلاص القومي. وبعد كل ما مر به العرب منذ الحرب العالمية الثانية وإلى يومنا هذا كحقبة زمنية توصف بالحداثة فإن قناعة عربية شاملة تقريباً قد تولدت مفادها أن تغيير الحال العربي يحتاج إلى زلازل وبراكين يصنعها العرب بأيديهم لإحداث التغيير الذي لا يتغير حال الأمة من دون حدوثه. غزة نموذج لهذا البركان والزلزال.. غزة سمت فوق الحزبية بكل أنواعها، وتعالت فوق أغراض أحزاب الطوائف. غزة غلبت السفسطة والفلسفات التافهة التي طالما ثرثرت فوق كراسي مقاهي الكسل والاتكالية العربية. غزت سحقت الاستخدامات الساذجة للمشاريع القطرية والإقليمية وهمشتها. غزة هي السيف العربي الذي جز رقبة المشروع الإيراني الفارسي قبل أن تدوس عنجهية الشريك الاستراتيجي الصهيوني بذات السيف العربي الشجاع الجسور. غزة كشفت عورات المشروع الفارسي الاحتلالي المهين المحتقر للعرب، وعرت هذا المشروع الخبيث لتظهر كل عورات ارتباطاته القذرة بالإمبريالية والصهيونية. غزة التي نتكلم عنها هي ثورة العرب الأهم، أو هي التتويج الماسي والذهبي لثورات العرب. غزة هي الأحزاب القومية الثائرة والدينية المؤمنة بالله وبالعروبة والبعيدة عن التطرف والمغالاة. غزة هي المقاومة الفلسطينية كلها، بل المقاومة العربية الحقيقية كلها، غزة ومثيلاتها القادمات هي الزلازل التي ستزيل الاحتلال الصهيوني وتلغي التطبيع، وتهدم أسس الاستسلام المهين. غزة هي التي ستسقط المشروع الصهيوني الفارسي الإمبريالي إذا تمكن العرب الأحرار من تغذية مسارها وخرجوا من دوائر القلق والتهيب إلى دائرة اليقين بأن غزة عربية.