المشروع القومي الفارسي العدواني وأدواته نزار السامرائي من المعروف أن لإيران برنامجاً قومياً عدوانياً توسعياً يستهدف الأمة العربية بوجودها، لا يختلف عن المشروع الإسرائيلي في شيء، إن لم يكن أكثر منه خطورة لأنه يتسلح بشعارات تداعب المشاعر العربية وتستمد بعض خلفياتها الدعائية من أهداف فشلوا في تحقيقها ولكن إيران تطرح في واقع الحال مشروعاً معادياً للأمة العربية ولا يمت للإسلام بصلة. ومع ذلك علينا أن نعترف أن إيران نجحت فيما فشلت فيه كل النظم العربية ذات التوجه القومي التقدمي كما هو حال مصر عبد الناصر أو سوريا أو العراق، أو ذات التوجه الديني وخاصة السعودية بما لها من رمزية تتصل بوجود الحرمين الشريفين أو بما كانت حتى الأمس القريب ترفعه من شعارات دينية متشددة ولكنها عجزت عن تحشيد قوة مادية ترتبط بها وتدافع عن مصالحها، وحتى بالنسبة لنظم الحكم الوطنية أو القطرية، فقد عجزت عن صناعة بيئة مؤيدة لها سواء كانت تشكيلات حزبية أو منظمات دينية أو سياسية، فقد بقيت كل هذه النظم حبيسة حدودها الجغرافية ولم تتمكن من كسب تنظيم سياسي يمتك الجرأة على إعلان الولاء المطلق لهذا النظام أو ذاك، بل إن البعض من مؤيديها يسارعون للتبرؤ من التبعية السياسية أو الفكرية والعقيدية، ويعتبرون ذلك مدعاة للخزي السياسي والوطني، وكأن الانتماء لخط سياسي يشكل عاراً سياسياً أو شخصياً، وغالب الظن أن ارتباط بعض تلك النظم بالقوى الدولية المعادية لتطلعات الأمة العربية بالانعتاق، هو الذي منع الإعلاميين أو السياسيين أو المفكرين من المجاهرة بموالاة هذا النظام أو ذاك، لأن تهماً جاهزة ستتدفق عليه بأنه باع نفسه لذلك النظام، في حين أن ضباباً كثيفاً سيثار حول من يرتبط بالمشروع الإيراني وسيجد له مبررات دينية وثورية كثيرة. فأين يكمن الخلل؟ علينا أن نركز على أساليب البحث العلمي عن خلفيات كل هذا الغموض المقصود، وذلك من خلال مراكز دراسات استراتيجية متخصصة في الشأن الديني والاختلافات بين المذاهب والفرق بين الفرق، بدراسات معمقة لهذه الظاهرة الخطيرة التي تهدد الأمن القومي العربي في أخطر مفصل منه، وتضم هذه المراكز متخصصين بأعلى المواهب والقدرات فكرياً وسياسياً بهدف إعطاء إجابات شافية عن هذا السؤال الاستراتيجي، توضع تحت تصرف الدول العربية من أجل النهوض بواجباتها على أكمل وجه دفاعاً عن أمنها الوطني وبالتالي الاضطلاع بدور جماعي من أجل حماية الأمن القومي العربي، إن هذا الأمر لا يحصل من خلال سياسة الإنكار كما تفعل النعامة عندما تدفن رأسها، في الرمال وتظن أنها نجت من الأخطار المحدقة بها، بل بالاعتراف الشجاع بكل الإخفاقات التي وقع فيها الجميع، والتي ترجع بالأساس إلى سوء فهم حقيقة أن التشيع الذي ترعرع في بلاد فارس وخاصة بعد قيام الدولة الصفوية عام 1500 وجاهر بأعلى درجات الاستعداد للصدام مع أي طرف يخالفه في توجهاته، فهو الأكثر قدرة على الربط بين صدق الانتماء للتشيع والولاء الكامل لمركز التشيع في إيران بصرف النظر عمن يحكم في طهران، أو من هو مرجع قم، أو المرجع الصوري في النجف، وبين ما يؤمن به من قناعات قومية يُلبسها أردية مذهبية. إيران ليست عبقرية في خططها وقراراتها ولا تمتلك من الدهاء مما يفتقده العرب، بل وجدت في وصول القوى الدولية الغربية إلى قناعة يقينية، من أن المشروع الإسرائيلي في فلسطين وصل إلى مفترق طرق بعد أن اخفق في السيطرة على المنطقة وفشل في مساعدة الغرب على التحكم بثرواتها، بل على العكس من ذلك فإن زرع إسرائيل في قلب الوطن العربي، أدى إلى تماسك العرب ولو من الناحية الظاهرية، لأنهم وجدوا أنفسهم أمام خطر خارجي دينياً وقومياً، يهدد وجودهم ومصيرهم ومستقبلهم، فاعتمدوا سياسة حمقاء في التعامل مع اسرائيل، تعتمد على مبدأ خطوة إلى الأمام وثلاث خطوات إلى الوراء، ومكنوا كل من يعارض النظام الرسمي العربي إلى توظيف القضية الفلسطينية ووضعها على رأس القضايا التي يستطيع بها جعل ذلك النظام في حالة دفاع يائس عن النفس بكل معنى الكلمة. لقد عانى العرب من غياب الوضوح في رؤية معمقة للتعامل مع القضية الفلسطينية، فبعضهم يعتبرها قضية إسلامية، والبعض الآخر يرفض هذا التوصيف ويعتبرها قضية قومية تخص العرب، وطرف ثالث يتنصل من أي التزام ويعتبرها قضية وطنية تتعلق بالفلسطينيين أنفسهم، وعليهم هم وحدهم الذين يقررون الطريق الذي يختارونه، وما على العرب والمسلمين إلا توفير الدعم سياسياً ومالياً وعسكرياً لهم في خياراتهم. أرى أن العرب تعاملوا بنظرة ثنائية في قضية الأرض المغتصبة، فهم لم يولوا قضية احتلال إيران لإقليم الأحواز ما هو جدير به من الاهتمام، باعتبار أن إيران دولة مسلمة ولا ضير في احتلالها لأي أرض عربية، وهذه نظرة قاصرة وتفكير ساذج إلى أبعد الحدود، ذلك أن المشاريع الإمبراطورية الفارسية والعثمانية تشكلان خطراً على العرب بالدرجة الأولى، وتسعيان لسحق العرب وإلحاقهما بالمشروع الدولي الذي يمتلك أعلى درجات التحسس من نهوض العرب، اعتماداً على تاريخ طويل من العداء الغربي الصليبي للعرب. لقد وجدت بريطانيا وأمريكا أن المشروع الإيراني الذي يزعم أنه يستمد عقيدته من أصول إسلامية، في حين أنه يسعى لبعث الروح في العقيدة الفارسية الساسانية، ومغلف بشعار إسلامي شيعي، أنه هو الوحيد الذي يتمكن من تمزيق الوطن العربي والعالم الإسلامي استناداً إلى إثارة تساؤلات بالية عفا عليها الزمن منذ أربعة عشر قرناً، ولكنها تمتلك قابلية الاستقطاب في كل زمان لأنها تتعلق بالمعتقدات الدينية، فإحياؤها يلقى قبولاً مع أو ضد بنفس قوة التبني حد الصدام بين الفريقين، ولأن إيران بحكم ما أضافت إليها بريطانيا من ممتلكات عربية، امتلكت موقعاً جغرافياً مهماً وثروات طائلة لا سيما النفط، صار بإمكانها أن تغدق على عملائها من الأموال العربية ما تشتري من سوق العمالة، كل من هانت عليه نفسه وكرامته وارتضى لنفسه أن يكون عبداً رخيصاً لقوة خارجية تختلف معه في اللغة والعرق، وتحاول أن تطمس شعوره الوطني والقومي باسم الإسلام، وهي التي راحت تفرض ثقافة فارس حتى داخل الجغرافية السياسية لكيانها الذي تحول من اسم فارس إلى اسم إيران في 21 آذار 1935، عندما قرر رضا بهلوي استبدال اسمها القديم فأصبح الاسم إيران. على من يريد التصدي لهذه الظاهرة اللافتة، أن يعود لدراسة نشوء التشيّع في فارس، وعليه العودة إلى كتابات الكليني والصدوق والمفيد والطوسي، وغيرهم من المتأخرين، كي يلم بالكيفية التي احكموا فيها بناء المذهب وربطوا بينه وبين الولاء لإيران، بحيث يتصرف عملاء إيران بصورة عمياء في طاعتها ويعتبرون ذلك شرفاً وفخراً لهم. وطالما كان وجود النظام الطائفي في إيران، وظيفة إقليمية ودولية، فإنه سيبقى محل دعم غربي وشرقي لمنع الأمة العربية من النهوض، سواء كان نهوضها على أساس إسلامي أو أساس قومي. ومن يتابع من يجري من توظيف للقضية الفلسطينية هذه الأيام وخاصة بعد معركة طوفان الأقصى، وتوظيف الوكلاء الحوثيين ومن حزب الله ومن المليشيات الشيعية في العراق، يعي جيداً أن إيران صممت أمنها القومي بطريقة تنقل المعركة خارج أراضيها وتجاهر بعدم ضلوعها في الحرب بأي شكل من الأشكال، إيران متخصصة في صناعة العبيد الأذلاء الذين يقاتلون إذا أمرتهم ويتوقفون إذا أمرتهم، وهم وحدهم الذين يتكبدون الخسائر بطيب نفس مع أنهم جنود يقاتلون في غير ساحتهم ومن أجل قضية ليست قضيتهم.