بسم الله الرحمن الرحيم الرأي العام حول فلسطين اليوم ... هل هو صحوة ضمير أم توضيح حقائق الدكتور شاكر عبد القهار الكبيسي كان من بين المؤلفات والكتب التي درسناها في كلية العلوم السياسية - جامعة بغداد كتاب الاجتماع السياسي وكانت أستاذتنا الفاضلة في هذا الدرس هي الدكتورة بلقيس محمد جواد أطال الله في عمرها وكان أحد مواضيع الكتاب هو ( تأثير الإعلام في تغيير قناعات الرأي العام) لما للإعلام من أهمية في جميع مجالات الحياة وحوادث الأزمنة وكما هو معروف فإن الرأي العام مجموعة من الأفكار يكتسبها الفرد حول قضية معينة حيث تتولد لديه القناعة والحكم حولها وقد تكون هذه القضية حادثة سياسية أو موقف دولي إقتصادي أو إجتماعي أو نزاع محلي كان أو دولي وبالتالي يسعى الفرد لتأييدها والعمل على تنفيذ ما تتطلبه هذه القناعة من إيمان يؤلف الرأي العام حولها عندما تبدأ مجموع من الآراء الفردية تجاه قضية سياسية أو إجتماعية أو إقتصادية معينة حكومية وطنية أو دولية عالمية وإستغلال عواملها وفواعلها بشكل نموذجي فقادة الرأي والصحفيين والوجوه الإجتماعية والسياسية والرموز والشعارات والمراجع الدينية والمخلصين من الناس أهم العوامل في حشد الرأي العام في قضية معينة ولما كان على طالب العلوم السياسية أن يحظى بدرجة عالية من الفهم والموضوعية لربط الأحداث مع بعضها وتمحيص الواقعي والمزيف عن المبدئي والعقائدي منها فلقد كان من ضمن أسئلة الإمتحان النهائي للإجتماع السياسي هو (هل الإنتهازية حالة طبيعية في المجتمع) والبديهي أنّ أي شخص يتوجه إليه هذا السؤال سيقول أن الإنتهازية حالة سلوكية سلبية منفعية غير محمودة وهو سلوك إنساني واعي يستند إلى المنفعة الذاتية من الظروف وتسخيرها لهذه المنفعة مع مراعاة هامشية للقيم والأخلاق العقائدية لكن ليس هذا الجواب الّذي أرادته الأستاذة بل أرادت أن تربط ذلك بتأثير وسائل الإعلام في تغيير قناعات الرأي العام في قضية معينة لأن هذه القناعة ترتبط بالفهم الواقعي لمجريات هذه القضية وبالتالي فإن تغيير وجهات النظر والإصطفافات الجديدة وتغيير المواقف ليس إنتهازية بل وجود براهين ومستندات ومعلومات جديدة قد ينقض الأحكام السابقة وهذا ما دأبت عليه الشريعة والسياسية والإدارة وغيرها من الحقول الأخرى ولم يفلح قسم من الطلبة بربط تغيير المواقف بالانتهازية فوقع أكثرهم بهذا المنزلق صحيح أن الانتهازية سلوك سلبي لكن موضوع الدراسة ليس هذا لأن ذلك سينفي صحة تغيير القناعات في الأحداث حسب فواعلها فكل رأي يخضع للنقاش والحوار والإختلاف فالرأي ليس عقيدة فيصعب على المرء تغييرها . لقد أدركت الصهيونية والغرب المساند لها أهمية الإعلام وأثره في حشد الرأي العام حول القضية الفلسطينية وعمدوا إلى إستغلال أجهزة الإعلام والسيطرة عليها لسنين عديدة وجاءوا بأفكار وبرامج أعلامية هابطة كاذبة مضلّلة وغير أخلاقية غايتها حشد التأييد الشعبي للكيان الصهيوني منها أن العرب يسعون لرمي اليهود في البحر وأحقية اليهود بأرض الميعاد فأمعنوا وإدّعوا وأفهموا وأوهموا العالم أن الأرض الفلسطينية أرضهم وأن الأمان والسعادة والعيش الرغيد لا يجدوه الّا في إسرائيل الدولة الديمقراطية الحديثة ساعدهم في ذلك غياب أي أفقي إعلامي عربي وفلسطيني قادر على الوقوف بصلابة أمام هذا الإفراط الواسع في الكذب والخداع والتضليل الّذي ساعد في ترويجه السيطرة الاستعمارية الصهيونية على المؤسسات الإعلامية الدولية والتحكم بالمؤسسات المالية والمصارف وإحتكار المال والذهب وإشاعة السلوكيات الربوية وتشجيع الرأسمال العالمي لتنفيذ برامجهم القادرة على السيطرة ليس على المال بل على العقول والمواقف السياسية والدولية التي تهم الكيان الصهيوني ويتكون الرأي العام عادة من مجموع الآراء الفردية تجاه قضية سياسية أو إجتماعية أو إقتصادية معينة حكومية وطنية أو دولية عالمية يساعدها في ذلك عوامل أخرى تؤثر في الرأي العام ومن يُحسِن إستغلال هذه العوامل يفوز في الكسب الجماهيري وتسخير قادة الرأي والمال والصحفيين والفنانين والوجوه الإجتماعية والسياسية والرموز والشعارات والمراجع الدينية وكل من له تأثير عالمي معين خاصة في زمن العولمة ووسائل التواصل الإجتماعي حيث أصبحت أبواب العالم مشرعة وأخباره منتشِرة وأحداثه واضحة وما يحدث في أي بقعة بالعالم يصلك في لحظة وقوعه وبعد إن كان الرأي العام العالمي مؤيداً للمحتل بدأت الأمورتتغير وظهر للعالم وحشية النظام الصهيوني المحتل وبرامج القتل والتدمير والحصار والتنكيل والتهجير وسرقة الأراضي والممتلكات الفلسطينية تجري على قدم وساق وأصبح اليوم واضحاً لكل شعوب العالم حقيقة هذا النظام سيء الصيت وكانت عمليات طوفان الأقصى وما قدمته من صور البطولة والإيمان بالله والإصرار على إنتزاع الحقوق الوطنية والقتال الباسل وتحملت ضحاياه البشرية والمالية والتنموية فأصبحت وسائل التواصل الاجتماعي تنقل لكل بقاع العالم وحشية هذا النظام الصهيوني وأرجحية حق الشعب الفلسطيني في أرضه وحياته وكرامته بالأستناد الى قرارات الشرعية الدولية كل ذلك غير كثير من المفاهيم والتصورات والأحكام التي كانت سائدة في الغرب وأصبح المواطن الأمريكي والألماني والبريطاني والكندي يشارك في مظاهرات واسعة للتنكيل بالكيان الصهيوني وشجب كل آماله العنصرية ضد الشعب الفلسطيني فجابت شوارع العالم مظاهرات صاخبة تطالب بالحرية لغزة والسيادة لفلسطين وضرورة الإعتراف بحق الشعب الفلسطيني بالوجود والكرامة والحياة الحرة المستقرّة ومن هنا بات واضحاً أهمية الدورالّذي تلعبه وسائل الإعلام في نقل الحقائق كما هي فغيّرت قناعات الرأي العام العالمي وأجبرت الشعوب الحرة على القيام بمظاهرات واسعة شاجِبة ومُستنكِرة ومؤيدة للحق الفلسطيني فشكّلت عوامل دولية ضاغطة على الحكومات الغربية التي تناصر الكيان الصهيوني بالباطل فلم يعد القول بأن من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها مسوغاً لدى كثير من شعوب العالم بعدما تغيرت قناعته وصحى ضميره وتحرر من قيود الغرب وإعلامه الشائن ولن يسمح اليوم وغداً أن يمر هذا الخداع والتضليل وينطلي في المستقبل على العالم وسيكون للعرب وللمسلمين رأي واضح تكوّن بفعل العمل البطولي للمقاومة الفلسطينية وقيادتها للحرب الإعلامية المضادة للإعلام الصهيوني الغربي بعد إن قدمت حقائق دامغة وأخلاق سامية وشجاعة متناهية وحب للعالم أجمع شمل حتى الصهاينة الّذين وقعوا في ألأسر فبدأ الناس يبحثون في عقيدة المسلمين وصلابة موقفهم وإيمانهم بالله ومحاسن أخلاقهم في التعامل بحنو وإنسانية مع أسرى العدو كل ذلك أظهره الإعلام العالمي فكان سبباً لبطلان الخداع الإعلامي الّذي كان حتى فترة قريبة مسيطراً على الرأي العام الغربي ويوجهه حسب إرادته دون إدراك . إنّ الإنسان كلما كان أكثر وعياً وأعمق إدراكاً للمعطيات القائمة على أرض الواقع قلَّ تأثير الكذب والغش على توجهاته لأن الإعلام الباطل لا يدوم وقدرته على التأثير تضعف عندما يجانب الأمانة التأريخية وصحة الخبر ولقد تعمد الصهاينة في السيطرة على هذه الحقول بعيداً عن المعايير الأخلاقية والإعتبارية ودفنها في التراب حتى جعلوا النزيه خاين والحر إرهابي والباطل حق وأصحاب الحقوق عنصريين وقتلة وقطاع طرق ومحاولة تشويه صورة الإسلام والمسلمين عندما ربطت الإرهاب بالإسلام وعرضوا على شاشات التلفزة الإرهابيين يذبحون الناس وهم يهتفون ألله أكبر فحركت ذلك المشاعر السلبية للمجتمعات الغربية إتجاه كل من يحمل قيم الإسلام في صدره وسلوكه كل ذلك بفعل الإعلام الساعي الى تشكيل المواقف والعقول وفقاً لبرامجه وأهدافه من خلال التوظيف والإشارة والبرمجة المدروسة للوصول الى غاياته لتعديل وتثبيت فهم الرأي العام للأحداث وجعلها تنسجم مع مصلحة من يتحكمون بالإعلام أو بالنظام العالمي أو بالعلاقات الدبلوماسية والمصالح الدولية وعلينا أن نحصّن أنفسنا من خطورة وفائدة وسائل الإعلام لكي لا تخدعنا عن رؤية الحقيقة وتلمس الواقع عن دراية وحكمة ورشادة لكي لا نقع في شباك الخطيئة بالإستناد على وسائل إعلام منحرفة وضالّة لأن الإعلام هدف ورسالة وقيمة عليا وليس مجرد سبق صحفي أو إعلامي بل هو جهد إنساني للوصول إلى الحقيقة .