دولتان وأخرى.. نهايتها حتمية.. كيف؟ د. أبا الحكم كل شعوب العالم التي أدركت اوضاعها الوجودية كان نظرها منشدا الى (الأرض) التي تعيش فيها او عليها منذ آلاف السنين.. ورغم ان معظمها كان منفتحا تقريبا في حدوده إلا ان هناك اقوام تعيش على موارد ارضها وتكرس حقيقة المقومات التي اضفت على الارض صفة السيادة ولا تسمح بالتجاوز عليها او الانتقاص منها او السيطرة عليها. إذن، الأرض والشعوب، التي عاشت عليها دهورا فبنت وعمرت وأحكمت قدراتها على حماية تلك مقومات وجودها بكل الوسائل والسبل بما فيها حروب الدفاع والانتفاضات والثورات ضد المستعمر الغازي. اسرائيل، هي في الاساس فكرة (دينية) عقيدية أراد الاستعمار البريطاني والصهيونية العالمية تثبيتها في دولة مستعمرة في الشرق الاوسط، حيث المصالح البريطانية والغربية والصهيونية، استندت لتاريخ يهودي مزور تحت شعار (ان فلسطين ارض الميعاد) و (فلسطين ارض الأجداد).!! ثم حلت موجات الهجرة المنظمة لليهود الى فلسطين عن طريق البحر وبالبواخر البريطانية، وتشعبت نداءات الهجرة في عواصم الغرب حتى العاصمة موسكو.. والنتيجة هي الكارثة الانسانية التي حلت على الشعب العربي الفلسطيني. اليهودية هي دين وليست (قومية).. واليهودية لا تمتلك (هوية قومية) واليهود لهم قوميات شعوبهم التي نزحوا منها الى أرض هي ليست أرضهم.. والديانة اليهودية لها أوطان متعددة، في امريكا وفرنسا وبريطانيا والمانيا وروسيا وبلدان اسيوية واقطار عربية.. ونخلص من ذلك ان يهود فرنسا هم فرنسيون وقوميتهم فرنسية، واليهود في بريطانيا هم بريطانيون وقوميتهم بريطانية، وكذلك اليهود في روسيا والمانيا وباقي دول العالم. في العالم اديان متعددة تتوزع انتماءاتها القومية على عدد من بلدان العالم، فمن الصعب ان تصنع من الدين (قومية). إذن، الديانة اليهودية ليست دولة يهودية ولا يمكن ان تصبح دولة، وغزو اليهود لفلسطين هو غزو استعماري تبنته بريطانيا ودول اوربية بإرسال مواطنيها اليهود لغزو ارض هي ليست ارضهم واستعمارها وطرد سكانها الفلسطينيين.. لذلك يوجد على ارض فلسطين مواطنون فرنسيون (يهود) ومواطنون بريطانيون (يهود) ومواطنون روس واميركيون واوربيون (يهود).. فهو غزو أممي تحت غطاء ديني وحجج ومزاعم مدحوضة جغرافيا وتاريخياً. اليهود في فلسطين المحتلة هم من الشتات، شتات الأرض، وهنا لا اريد ان اعالج الأمر على اساس ديني رغم صحة ما جاء في القران الكريم، ولكن سأعالج الأمر من ناحية ثانية سياسية ومنطقية.. سياسياً، لا يجوز التجاوز على أية دولة واستعمار وتشريد شعبها وقتلهم واستغلال مواردهم، كما ليس هناك من الدول من يتقبل بين ظهرانيه (دولة دينية)، لأن الدولة الدينية تحتكم الى المطلقات والاقصاءات وتستند على المقدسات والفتاوى، وهذا لا يتناسب مع الاحكام والقيم الاجتماعية التي تدعو الى سماع صوت الآخر وتقبل وجهات نظره دونما تعصب، فضلا عن التسامح والانصاف والعدلـ كما هو عليه الدين الاسلامي الحنيف. فالكيان الصهيوني ومنذ عام 1948 يعمل على تكريس واقع (الدولة اليهودية)، ولكنه لم يستطع اعلانها، فيما اعلنت إيران عام 1979 انها دولة الجمهورية الاسلامية الايرانية وهي تمارس اقصى اساليب الإقصاء والبطش والقمع والتسلط والتفرد في صنع القرار ولا تحترم تعهداتها والتزاماتها وتتوسع على حساب جاراتها الدول العربية المسلمة في المشرق العربي.. هذه الدولة (الدينية) من الصعب ان تستمر طويلا في ظل اوضاع العالم الراهنة. اسرائيل ومجاميع اليهود القادمين من الشتات لن تستطيع ان تقاوم وإن تحصن وجودها المادي والمعنوي بفعل عوامل خارجية لأنها (دولة) مصطنعة تعتاش على المساعدات ودعم الدول التي زرعتها في قلب فلسطين واغدقت عليها الاموال والسلاح، فهي دويلة مشوهة لا تستطيع العيش من دون مساعدات خارجية ولا حتى حماية نفسها.. وإن أي اهتزاز في بنيتها الاجتماعية ستتفكك وتبدأ الهجرة المعاكسة.. كلٌ يعودُ إلى وطنه الأم. دويلة اسرائيل لا تمكث طويلا وذلك لافتقارها الى مقومات الدولة (الأرض والشعب والموارد والسيادة).. وكما يحصل لإسرائيل سيحصل لأمريكا، لأن امريكا ليس لديها (ارض) وطنية كما ليست لديها (شعب)، إنما لديها مجتمع كونته الهجرات المتعاقبة.. كما ان المجتمع الأمريكي ليس شعبا اصيلا موحدا، فهم ايضاً من الشتات، جاءوا الى الارض التي اكتشفها كولمبس ولكن سكانها الاصليون هم من الهنود الحمر حيث اباد المهاجرون الاوربيون منهم ما يقرب 15 مليون نسمة تحت مزاعم بناء السكك الحديد وبناء المدن.. المهاجرون خليط من قوميات واديان ومذاهب مختلفة، خليط غير متجانس في قيمه وعاداته وسلوكه يعيشون في (كانتونات) مصطنعة مثل (الحي الصيني) و (الحي اللاتيني) و (الحي العربي) و (الحي الافريقي) و (الحي الآسيوي).. إلخ ويحاول الاميركيون منذ ثلاثة قرون ان يصهروا هذا الخليط في بوتقة واحدة اسموها الحياة الامريكية ولم يستطيعوا لان التنافر قائم، رغم القوانين التي تزعم انها ضد العنصرية، والاحتكاك قائم رغم اشاعة جو من الحرية المتهتكة، والتمييز العنصري قائم، حتى في قوانين العمل والتوظيف وغيرها.. والخوف من اختلال التوازن في المجتمع بين البيض والسود على مدى عقود من السنين قائم، حتى أن امريكا باتت ساحة تعيش على براميل بارود تكفي شرارة واحدة لاندلاعها. اذن، امريكا لا تمتلك (الأرض) ولا (الشعب) حسب مفهوم المقومات التي اجمع عليها علماء السياسة والاقتصاد والاجتماع، كما هي اسرائيل.. والأرض تعود الى السكان الاصليين الهنود الحمر الذين تعرضوا للإبادة من قبل موجات المهاجرين البيض، كما أسلفنا، فيما يمارسون الان ضدهم اسلوب العقم لزوجاتهم وعلى نطاق واسع.. هذه الدولة هي الاخرى من الصعب ان تحافظ على كيانها في المستقبل، لأن تكوين المجتمع الامريكي جاء بصيغة (تجميع)، مهما تعددت وسائل التهدئة والترقيع والتجميل. دولتان مصيرهما الزوال، هما اسرائيل وامريكا لانهما لا تمتلكان الأرض ولا الشعب الواحد، وبالتالي يفتقران إلى مقومات الدولة الحقيقية.. أما الدولة الدينية الايرانية فمن الصعب قبولها دولة ثيوقراطية إقصائية دموية.!!