الأَفْعَى الّتي تَلْدَغ اِضرِب رَأْسَها بِقُوَّة ناصر الحريري يبدو أن ليالي باريس الحمراء طبعت بعضاً من صخبها المجنون ومجونها الفاسق في خميني إيران، فحمل مجونه وفسقه إلى طهران فظن نفسه منتصراً على الخير والفضيلة، وهو الذي حمل إلى جانب مجونه وفسقه كِبرَ وعنجهيةَ وغُرورَ المجوس. ولأنه كان يعيش زمناً غير زمن الأبطال، توهم خميني المجوس أنه سيحطم العراق ويقضي على حكمه الوطني، وعاش في وهمه سنوات أشعلت داخله حقداً أسوداً أودى به إلى التهلكة. في أيلول بدأ الخميني حفلة مجونه البغيضة التي اعتاد عليها في باريس، وبدأ كالأفعى يلدغُ هنا وهناك، ولكن حكماء العرب قالوا: للقضاء على الأفعى اضرب رأسها بقوة! تمادى كثيراً، وصبرنا، طلبنا السلام فرفض، طلبنا السلام لا جبناً ولا خوفاً كما توهم خميني المجوس، بل حباً بالسلام والعراق، وتناسى أن شعب العراق هم أحفاد أولئك الذين حطموا عرش كسرى، وقدموا تاجه لأعرابي من أهل مكة! فهل فهم الخميني والفرس ما معنى أن يوصي الرسول صلى الله عليه وسلم لسُراقَة بتاج كسرى؟ هل فهم الفرس وخمينهم ما معنى أن ينفذ الخليفة عمر بن الخطاب وصية الرسول ويُلبس سراقة تاج كسرى؟ إن المعنى ذو دلالة واحدة، أن تاج كبيركم وعظيمكم يلبسه أعرابي من عامة القوم، فلا نهاب تيجانكم ولا كبراءكم، فقد خلقنا الله واصطفانا لنكون حملة رسالته. لقد كان تمادي خميني الفرس يرتكز على دعم ووهم غربي أمريكي أن العراق لن يصمد طويلاً، وستكون نهاية العراق ونظامه سريعة جداً، هذا الدعم السراب تلاشى أمام قوة وصمود وتضحيات العراق في أروع وأنقى سفرٍ سجله التاريخ المعاصر. إن الصبر العراقي متزامناً مع دبلوماسية محنكة راقية قدم صورة واضحة الأبعاد أن النظام في العراق قائم على أسس ومرتكزات وطنية قومية يحترم المنظومة الدولية التي ينتمي إليها، من خلال تقديمه الوثائق والمستندات التي توضح الاعتداءات الإيرانية المتكررة على سيادة العراق، وتم توثيق كل ذلك في المنظمة الدولية، وهذا رد واضح على من يدعي وبعد أكثر من أربعين سنة على أن العراق هو من بدأ عدوانه على إيران. لقد أثبتت كل النداءات والوساطات والمساعي أن إيران ليست في وارد إيقاف اعتداءاتها ولا في التراجع عن احتلالها لبعض المناطق العراقية، ما شكل قناعة لدى القيادة العراقية أن الخميني ماضٍ في عدوانه على العراق ولن يوقفه رادع من ضمير أو دين، فكان القرار العراقي الرد على هذا العدوان بكل قوة وثبات وتصميم على تحقيق الردع القوي والحاسم لخميني وثورته الفارسية. في الثاني والعشرين من أيلول كان أبطال العراق، جيشاً وقيادة وشعباً على موعد مع لحظة الحقيقة، وهي أن العراق الذي شارك أبناؤه في تحطيم عرش كسرى قادر على تحطيم أي عرش فارسي يقترب من سيادة العراق ويمس كرامة أبنائه. إن القوة الروحية التي امتلكها جيش العراق تمثل جانباً من القوة الروحية التي يمتلكها شعب العراق الأبي وجانب من القوة الروحية والإيمان بالأمة التي يمتلكها البعث، نتيجة استلهام التراث وفهمه فهماً حقيقياً والتعامل معه على أنه تراث حي، هكذا فهم الجيش العراقي تراث القادسية الأولى، وشجاعة خالد وسعد، فهموها فهماً حقيقياً وتعاملوا معه على أنه تراث حي متجدد وينبعث في حالة الإيمان الصادق به. لا نبالغ إذا قلنا إن الصراع الذي خاضه العراق وجيشه الباسل هو صراع من نوع آخر يتفرد عن كل الصراعات التي خاضتها الأمة العربية، لأنه صراع حضارة وتاريخ وتراث وعقيدة، صراع وجود، لأن خميني الفرس كان يسعى بكل ما أوتي من قوة للقضاء على حضارة وتاريخ وتراث وعقيدة الأمة من خلال القضاء على العراق. ونقول: إن عراقاً صنع المجد في ثمانينات القرن العشرين هو نفسه من صنع المجد والمقاومة في بدايات القرن الحادي والعشرين، وهو ذاته الذي يصنع المجد الآن في عموم ساحاته ومدنه ومحافظاته، فأنّى لعراقٍ كهذا أن يستسلم أو يموت؟ لقد أثبت أبناء العراق وعلى اختلاف مراحل التاريخ أن وقوع الاعتداء على العراق ممكن، ولكن استمراره وثباته مستحيل، لأن الأرض التي تحتضن النخيل وعلمته أن الموت وقوفاً هو الانتصار، وأن الريح الصرصر لن تقتلعه من أرضه لأن جذوره ممتدة مُتَّجِهة نحو الأعماق.