نَكْسَةُ حُزَيْرَان جُرْحٌ غَائِرٌ فِي نُفُوسِ العَرَب ابن قاسيون كلما حلت ذكرى الخامس من حزيران، تنتابني مشاعر متناقضة، ربما لأني سبقتُ الذكرى في القدوم إلى العلن بأربعين يوماً، ففي الخامس من حزيران أصاب الأمة زلزالاً دمر كل الأوهام التي صنعتها الأنظمة العربية عن قدرتها على تحرير فلسطين وطرد الاحتلال الصهيوني منا، ففيه غفا العرب، ولا يزالون، هو يوم مشهود في تاريخ العرب الحديث. يومٌ لم تتمكن فيه جيوش دول عربية ثلاثة من الصمود أمام جيش الاحتلال الصهيوني، أو لم تشأ الأنظمة الحاكمة حينها أن تصمد، فتلقت هزيمة نكراء، واحتل الصهاينة فيه قطاع غزة والضفة الغربية الفلسطينيتين وما تبقى من القدس، إضافة إلى تسليم النظام السوري لهضبة الجولان السورية، وسيناء المصرية، وبات الكيان الصهيوني القوة الأولى المهيمنة في المنطقة، وعمَّق فكرة (الجيش الذي لا يُقهر). إن حرب الأيام الستة كانت أهم حدث في تاريخ المنطقة الحديث، بعد الحرب العالمية الثانية، فقد ثبّتت نتائج حرب 1948، وجعلتها غير قابلة للتغيير، وأبرزت أهمية دولة الاحتلال الصهيوني للغرب، كما تركت جرحاً غائراً في نفوس العرب والفلسطينيين على حد سواء. إن هذه الحرب كسرت مجرى عملية بناء مشروع ثقافي-سياسي عربي عصري بقيادة مصر، من جهة، ومن جهة أخرى فتح المجال أمام ظهور (الإسلامويين العرب) على الساحة من جديد. وكان من نتائج الحرب بروز ما يسمى الوطنية الفلسطينية التي باتت تمثل فلسطينيي الضفة الغربية وغزة والشتات، والتي مرّت بعد الحرب بمراحل متنوعة أدت إلى توقيع اتفاق أوسلو 1993، فبدأ الفلسطينيون بعد النكسة بالتخلص رويداً رويداً من وصاية الأنظمة العربية، بل إنهم دخلوا في صراعٍ مع بعضها؛ كما حدث مع المملكة الأردنية، واضطروا لمغادرتها بعد معارك أيلول1970، وجعلوا بعدها من لبنان قاعدتهم الرئيسية قبل أن يغادروها على إثر العدوان الصهيوني على لبنان عام 1982، الأمر الذي مهد الطريق للوصول إلى اتفاق أوسلو المذكور عام 1993. اليوم، وبعد مرور ستة وخمسين سنة على النكسة، ما زال العرب غير قادرين على استعادة كل أو بعض ما فقدوه في حرب 1967، أو إجراء تغييرات جذرية في الوضع السياسي والعسكري الذي فرضته هذه الحرب بالمنطقة، ولكن الواقع أيضاً جعل الاحتلال مضطراً إلى الخروج من قطاع غزة عام 2005، ولا زالت تعاني على جبهته بفعل تراكم قوة المقاومة الفلسطينية التي وإن أنهكتها الاعتداءات الصهيونية المتكررة على القطاع، فإنها لم تستطع القضاء عليها، بل إن المقاومة الفلسطينية في القطاع تحديداً باتت تستنزف الاحتلال بأشكال متعددة من المقاومة، بما يمكننا من القول أن دولة الاحتلال لم تعد قادرة على كتابة الفصل الأخير من الصراع على هذه الأرض.