القومية العربية جذور النشأة واتجاهات المستقبل وموقف الإسلاميين - الحلقة السادسة زامل عبد شهدت الساحة العربية في ضل الإمبراطورية العثمانية وما انتجته سايكس بيكو حراك فكري وسياسي من أجل حماية الهوية القومية العربية من كل اشكال الاستهداف وقد ركز جل الباحثين على مصر حيث التقى الكثير منهم عند رؤية الناصرية المشروع القومي الأكثر واقعية خاصة بعد ادراك المرحوم جمال عبد الناصر صفاء رؤية حزب البعث العربي الاشتراكي للواقع العربي ، ففكرة القومية العربية التي استوحاها جمال عبد الناصر من فكر البعث ، اخذ يخطو الخطوات التي تعبر عن فهمه الذاتي للواقع العربي وتطلعه ليكون رائد القومية العربية واهم دعاتها أي ان عبد الناصر أراد ان يكون المتفرد بموضوع القومية العربية في مرحلته وبهذا تجنى على البعث ومن سبقه من دعاة الفكر القومي ، فيقول هؤلاء الباحثين والمحللين استلهمت أغلب التنظيمات السياسية المصرية (( مصر الفتاة ، التنظيم الخاص للإخوان ، الحزب الوطني جناح فتحي رضوان )) في الأربعينات ، وفي خضم صراعها مع إنجلترا وفشل الليبرالية المصرية في مواجهتها نموذج التنظيمات السلطوية الفاشية والنازية ، وفي ذلك الإطار ولد تنظيم الضباط الأحرار فكان من الطبيعي أن يستلهم أيضا القومية المتطرفة لذلك النموذج . وبعد عام واحد من الثورة ، انطلقت إذاعة صوت العرب ليغزو بها عبد الناصر العالم العربي . وبعد دعاية كبير صاحبت عودة عبد الناصر من مؤتمر باندونج ونجاحه في تجاوز أزمة السويس ، تحول عبد الناصر إلى زعيم ملهم بالنسبة لكل الشعوب العربية ، تمثل الناصرية المشروع القومي الأكثر واقعية في نظر الكثيرين ؛ حيث نجحت في بناء دولة قوية ، وإطلاق مشروع تحديث واسع ، وبناء هوية قومية صلبة ، وفي طرح موقف صلب من القضية الفلسطينية فوفقا لنديم البيطار، تحققت الشروط التاريخية الثلاثة للوحدة ( تأتي لاحقا ) في مصر الناصرية وحتى المفكر الإسلامي العروبي منير شفيق الذي رأى في الوحدة بين مصر وسوريا 1958 المثل الأعلى لتحقيق الوحدة العربية ، وعلى الرغم من أن عبد الناصر قد أعطى الكثير للقومية العربية ، إلا أنها تحملت كذلك خطاياه ، يرى بعض القوميين المعتدلين أن عبد الناصر كان ابن عصره ، مما يجعله من الظلم أن نحاسبه وفق وعينا المتطور اليوم فعزمي بشارة يقول عن ثورة 23 تموز ومهام المرحلة المقبلة في افتتاحية المستقبل العربي تموز 2008 الاتي (( وكما أن الناصرية خلفت وراءها تركة من الأخطاء أو الخطايا الثقيلة ، إلا أنها تركت أيضا مواقف نبيلة - كرفض التطبيع ، وحلم الوحدة ، وثورة التحديث - كل ذلك جعل من عبد الناصر واحدة من الشخصيات الأكثر إثارة للجدل في تاريخنا العربي المعاصر، فهو من نعته نزار قباني بـ آخر الأنبياء وهو كذلك من غنى له فؤاد نجم والشيخ إمام وانشا لله يخربها مداين عبد الجبار !! )) ويطرح المفكر الفلسطيني عزمي بشارة والذي يعتبره البعض انه آخر المفكرين القوميين البارزين (( أن القومية ليست أيديولوجية وإنما هي تسيس انتماء إلى هوية ثقافية جامعة تقيم جماعة متخيلة )) فالقومية عند بشارة ليست عرقا أو جماعة محددة بقدر ما هي هوية ينتمي إليها الفرد انتماء حرا ، ومن ثم فهي فكرة حداثية في صلبها ، ويرى بشارة ضرورة تجديد الفكر القومي ليتعاطى مع واقع الدولة القطرية ويقترح لذلك - فصل القومية عن الدولة - ، بحيث تنجح الدولة في تحقيق سيادة الأمة عبر المواطنة والديموقراطية ، بينما يحتفظ المواطن بحق الانتماء إلى القومية الجامعة كقومية ثقافية متخيّلة ( بتعبير المفكر البريطاني بندكت أندرسون ) وهذا وحده هو الكفيل بالقضاء على التمزق الطائفي الذي تسبب فيه فشل الدولة الوطنية في بناء الأمة وحالة الحداثة المشوهة التي رسختها النخب الأنانية ، طرح بشارة أفكاره عن تجديد الفكر القومي ودوره في النهوض بالحالة العربية المتردية في العديد من أعماله وعلى رأسها كتابه في المسألة العربية مقدمة لبيان ديمقراطي عربي 2007 كذلك كتابه أن تكون عربيا في أيامنا 2009 الذي ضمنه عددا من أوراقه المتناثرة وعلى رأسها ورقته - تجديد الفكر القومي - التي قدمها في مؤتمر الفكر القومي المعقود بدمشق 2008 ، أخيرا تبقى إجابة أسئلة من نوع ماذا بقي من القومية العربية ؟ وأي مستقبل ممكن لها ؟ معلقة بعد أن اختفت قواعد التيار القومي ، وتحولت القومية العربية إلى خطاب تبرر به الأنظمة العربية المتهالكة تحالفها في مواجهة التغيير ، وتبقى القومية مع ذلك إحدى الحلول المطروحة على كل حال ، وعلى المستوى الأكاديمي والفكري ، أو مستوى النخب السياسية ، لمشكلات الواقع العربي الراهن وما يمزقه من طائفية وصراع بين مختلف القوى ويطرح نديم البيطار مفهوم - القومية العلموية - جهود للانتقال بالقومية العربية من أيديولوجية رومانسية تلتمس شرعيتها في أمة يجمعها التاريخ أو اللغة أو العرق أو الدين ، إلى منهجية تسعى إلى تأسيس دولة الوحدة ، وتلتمس شروط تحققها في قوانين الوحدة الثلاثة التي حددها عبر دراسته العلمية لتجارب الوحدة في التاريخ في كتابه - من التجزئة إلى الوحدة 1986- فيقول (( هي وجود الإقليم القاعدة ، والسلطة المشخصنة ، والتحدي الخارجي الضاغط )) وهو ما يفسر إعجاب البيطار الشديد بالناصرية في مصر كونها تحقق شروط تجربة الوحدة ، من أهم أعمال البيطار كذلك كتابه - الأيديولوجيا الانقلابية 1982 - والذي طرح فيه أن أي تحول تاريخي يحتاج إلى أيديولوجية ثورية ومن ثم فإن العالم العربي اليوم في حاجة إلى أيديولوجية ثورية تنسف الماضي وتطرح أفكارا وأخلاقا جديدة للعالم العربي ، تلك الأفكار وغيرها كان للبعث الخالد منذ منتصف ثلاثينات القرن المنصرم والى اليوم ردا" علميا" وواقعيا برهن ويبرهن ان حزب البعث العربي الاشتراكي قد مثل فعلا حزب البصيرة التاريخية النافذة .حيث اكتشف قوانين النضال العربي المعاصر برؤية علمية وثورية كشفت الاحداث التاريخية صحتها ، كما كان الحزب العربي الوحيد الذي استطاع الوصول الى السلطة في اكثر من قطر عربي ولأكثر من مرة ، كتعبير عن الجذوة الثورية المتأصلة فيه إضافة لمشاركته في تحقيق اول وحدة عربية في التاريخ العربي المعاصر كما كان الحزب العربي الوحيد الذي شارك في كل المعارك التحررية العربية خاصة تلك المتجهة لتحرير فلسطين ، كما تتجلى عظمة البعث وشموخه في عراق العروبة بقيادة الرفيق الشهيد الحي صدام حسين من خلال الصمود الفريد من نوعه في وجه الغزو الإيراني التوسعي 1980 والعدوان الثلاثيني1991 وما حصل من حصار جائر وصفحة الخيانة والغدر والذي انتهى بالغزو والاحتلالين سنة 2003 ، لذا فان التفوق النضالي النوعي والكمي لحركة البعث مقارنة مع كافة الأحزاب السياسية العربية ، انما تؤكد عمق الرؤية الفكرية وصواب نهجه إضافة لتطابق هذه الرؤية مع المسار النضالي العملي الذي اختطه ، ان الابداع الفكري الخلاق للحزب قد جعل البعث الخالد مؤهلا لحمل الرسالة التاريخية للأمة العربية ، وابرز ما يتجلى في هذا الابداع اكتشافه لخصوصية الامة لأنها تشكل حافزا لتعميق التوتر النضالي الانبعاثي للأمة العربية كما انها تشكل أيضا ذلك الناظم الذي يضمن صحة مسار العمل النضالي العربي الثوري ، وبوصلة الارشاد التي توجهه في بحر التناقضات العربية ، ان الأحزاب السياسية العربية قد أصيبت منذ ولادتها بالرؤية الأحادية للواقع العربي الذي جعلها بالتالي تشذ عن الطريق السليم لتحرير الامة ووحدتها ، فهذا الشذوذ الفكري المتمثل باليمين المتطرف واليساري الزائف ، والقطري المصطنع ، والقومي الخالص المشوه ، انما جعل البعث الخالد يشكل الضرورة التاريخية الملحة للأمة العربية وان الحديث عن الخصوصية بمنظور البعث يبقى متصاعداً مع تصاعد الهجمة الامبريالية الصهيونية الصفوية الجديدة التي تهدف الى نفي الوجود الإنساني العربي ، ونفي الفعالية الحضارية والتاريخية للأمة العربية ، لأجل ذلك كانت خصوصية المنهج العلمي الثوري الانبعاثي العربي للحزب عبر هيكلية تنظيمه القومي والترابط الجدلي العلمي التاريخي الإنساني لأهدافه في الوحدة والحرية والاشتراكية يتبع بالحلقة السابعة