افتتاحية العدد 36- مجلة صدى نبض العروبةرمضان... مقاومة أن نتحدث نحن أبناء الأمة عن ضرورة المقاومة ليس كثيراً على أمة ينتهك أعداؤها مقدساتَها، ويعبُ فاسقوها بأركان ثقافتها، ويقتطع الخارجُ أطرافَها، ويحتل الغازي ديارَها، وينهب الفاسدون خيراتَها، ثم يتولى العملاء على رقاب أبنائها، الذين يسومون الأمةَ مزيداً من الذلة والهوان، كي تظل حبيسة حبال غليظة، ورهينة قيود ثقيلة، بل ومغلولة اليد إلى العنق؛ فلا تقوى حتى على الصراخ! لا نقصد بالمقاومة أي عمل محرم، أو غير مشروع، أو بلا مصلحة. وإنما المراد هنا هو طيف المقاومة الواسع؛ فكل عمل إيجابي في وجه الطغاة والفاسدين يمثل لبنة في بناء المقاومة، وربما يكون المرء في بيته وهو مقاوم ، وبالتالي فنحن نتلمس المقاومة في كل موسم، وفكرة، وعمل، وقول، ونراها من الصغير والكبير، وعند العصاة والأبرار والمقربين؛ لأنها واجب الوقت، ولازم الحال، وضرورة لا مناص منها للتغيير الإيجابي. إن شهر رمضان في ذاته يحمل سمات المقاومة، وما أشد وقعه على المرجفين والمنافقين الذين لم يغفلوا عن هذه الصفات في هذا الشهر الفضيل، فنازلوه منازلة العدو، وما أموالهم وجهودهم المسخرة لإفكهم وبهتانهم، إلا خير شاهد على ترسخ هذا المفهوم لديهم؛ وإن لم ينطقوا به. حين يأتي رمضان يوحِّد أمة محمد صلى الله عليه وسلم على الصيام والقرآن، وكم حاول الأعادي تمزيق جسد هذه الأمة حتى جعلوها أشلاء متناحرة، وشعوباً متنافرة؛ ليأتي رمضان فيجمعهم على فعل، ونبل، وسمو نفس، وصفاء روح. رمضان يجمع أهل البلد الواحد على خير، فالفقير يستفيد من زكاة الغني وجوده، والجاهل يقبس من فهم العالم وحكمته، والعمل الخيري والاجتماعي ينشط بانشراح الصدور وإقبال الناس، وحتى أهل البيت الواحد، وأبناء الجد البعيد، يجدون فسحة من الوقت ليلتئموا حول مائدة، أو في حديث حميم، وإن هذا التماسك والتآزر مما يعزز فينا وصف البنيان المرصوص الذي لا يخترق، ولا يتهدم. تاريخ رمضان مليء بذكريات المقاومة العبقة، فيوم الفرقان ومعركة بدر الكبرى كانت في منتصفه تقريباً، وفتح مكة خلاله، وكثير من المعارك الخالدة وقعت فيه كالقادسية، وفتح الأندلس، والزلاقة، وحطين، وعين جالوت، ومعركة تحرير الفاو من الاحتلال المجوسي الإيراني، ولازالت الأمة صائمة عن مثل هذه المآثر، وعسى أن يكون يوم فطرها وعيدها قريباً. وكم نحن بحاجة لمن يأخذ بيد هذه الأمة؛ بأي طريقة مناسبة، كي يحيي فيها أحكام الدين الإسلامي تمثلاً واعتزازاً، ويستنهض همتها لخدمة أمة المصطفى عليه الصلاة والسلام، فلا أرذل من حياة ليس فيها شيئاً من المعنى الحقيقي للحياة، وإن ديدن المؤمن والمسلم أن يسأل ربه، ويلح بالسؤال؛ لتكون صلاته ونسكه ومحياه ومماته خالصة لله رب العالمين.