الدين والثقافة العربية الأصيلة عبد الله الحيدري تحتل مسألة الدين والتدين حيزاً خاصاً في مجمل الشخصية الثقافية العربية، وتعتبر هذه المسألة واحدة من أهم ما يميز الثقافة العربية عن غيرها من الثقافات، إذ تؤكد جوهرها الإنساني وعمق مضامينها الفكرية، وذلك لأن الأرض العربية هي مهد الرسالات السماوية والأمة العربية حاضنة هذه الرسالات وناشرتها للبشرية جمعاء. ويظهر التمايز الحقيقي للعرب في أبهى صورة عبر الدين الإسلامي الذي أكد بوضوح على القيم التي آمن بها العرب عبر تطورهم التاريخي، وهي قيم التسامح، والمحبة، والدعوة للخير والعمل وتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة في المجتمع ومناهضة الظلم والطغيان ومقاومة العدوان، والاحتلال، والدفاع عن الكرامة، كما شكل الإسلام ثورة على التخلف، والتعصب، والفرقة والتشرذم، ودعا إلى الوحدة، والتضامن، والتكافل طبعاً، هذه القيم حملتها كل الديانات السماوية الأخرى، إلا أن الإسلام حوّلها إلى قوة حركت الأمة العربية ووحدتها وحشدت طاقاتها الحضارية، وجعلتها واحدة من أهم الأمم وأكثرها شأناً عبر عصور متوالية، ولكن الأمة وصلت إلى مرحلة صعبة عندما تفككت الدولة الواحدة وتحولت إلى كيانات متناقضة، وجاء الغزو والاستعمار الغربي الذي عمل على تمزيق الامة وإضعافها عبر استهداف هويتها الثقافية والحضارية خدمة لمشروعاته في السيطرة والهيمنة عليها، وسلبه ثرواتها ومقدراتها وقرارها السيادي المستقل وزرع الكيان الصهيوني في قلب الأمة للبقاء على هذا التمزق والضعف ومن الطبيعي أن يكون الرد على مخططات الاستعمار، ومشروعاتهم العمل على إحياء المشروع النهضوي الوحدوي العربي الذي يؤكد على التواصل بين الأصالة والتحديث بين التراث ومتطلبات العصر ويشكل الدين مكونا أساسيا من مكونات هذا المشروع ولا سيما وأن الدين يمثل قاعدة أساسية في ميل الإنسان العربي وقد استغلت الفئات الضالة هذا الميل عنده لدفعه إلى سلوكيات ليست من الدين في شيء بل وأكثر من ذلك ذهب هؤلاء إلى تأطير الإنسان العربي باستخدام الدين نحو التطرف وممارسة الإرهاب كما يتم استغلال الدين أيضا لخلق تناقضات طائفية ومذهبية تهدد الوحدة الوطنية للأمة وهذا الأمر الخطير يتطلب التعزيز المستمر للفكر القومي الذي يؤكد على الترابط بين العروبة والإسلام، ويعمل على ترسيخ هذا الترابط بشكل منظم عبر نشر الوعي بكل الوسائل المتاحة تربوياً وإعلامياً.