الجيش العراقي مؤسسة عملاقة لصناعة الرجال الأستاذ الدكتور كاظم عبد الحسين عباس نحن لا نكتب إنشاء يحتوي مشاعرنا الجياشة وحبنا العظيم رغم أن الإنشاء والتعبير هو مسار من مسارات الإبداع في لغتنا العربية الحبيبة، بل نقول حقائقاً تمترست في ضمائرنا عبر تراكم يمتد من هذه اللحظة وحتى بدايات وعينا الأول. كان كل بيت في العراق ينتظر لحظة التحاق الأولاد بعد بلوغ سن الرشد أو بعد الانتهاء من الدراسة الجامعية بالخدمة الإلزامية، إنها خدمة الوطن أو خدمة العلم كما كنا نسميها في حارات العراق وقراه وقصباته، هي لحظة فارقة في حياة كل عائلة عراقية منذ تأسس جيشنا الباسل، وصار مؤسسات بطلة شجاعة باسلة لحماية العراق والأمة العربية المجيدة. أجيال تلو الأجيال عاشت هذا الحدث الجلل ألا وهو الالتحاق بخدمة العلم وغير المكلفين كان التطوع باباً مفتوحاً ليس له سوى اسم وراية وعنوان: الالتحاق بمدارس ومعاهد وأكاديمية صناعة الرجال. في معسكرات التدريب تعلمنا حب العراق وألفنا خيمته الجامعة اللامة الشاملة، معسكرات التدريب جعلتنا نتعارف نحن أبناء الفرات الأوسط بشباب الغربية والشمال، ومنحتنا فرصة اللقاء وصناعة العلاقات العائلية والاجتماعية مع أخوتنا الأكراد. في خيمات ظللتنا ونحن نجتمع على (قصعة واحدة) لنتشارك لقمة العيش عرباً وأكراداً وتركمان وكل الأعراق العراقية، وجمعتنا نصلي مع بعض سنة وشيعة ونتبادل معلومات الإيمان مسلمين ومسيحيين وصابئة ويزيدية وشبك. في ساحات التدريب تعلمنا الصبر وكيف نعالج الأزمات، وكيف نواجه الصعاب، قبل تعلم السلاح كان تعلم النظام والالتزام والانضباط الصارم. قبل تعلم الحرف العسكرية المختلفة كان الجيش العراقي يعلمنا الحزم والقدرة على اتخاذ القرار، ويفتح أمامنا سبل الارتقاء بإمكاناتنا وقدراتنا القيادية. ومع مسك البندقية الآلية (كلاشنكوف) تسري في عروقنا الشجاعة والإقدام وتنبض أرواحنا بهتاف عاش الوطن عاشت الأمة. الزحف على الصخور، فتح الصدر لصقيع شباط، حلاقة الذقن كل فجر بماء نغرفه بعد كسر الثلج، ركوب الشاحنات وهي منطلقة، الهبوط بالمظلات في مياه الرافدين فجراً لتدفئها أجسادنا التي سبحت بالبطولة قبل أن تسبح في النهرين. هذه بعض ملامح الرجولة التي كانت عوائلنا تحتفي بها حين نلتحق بالخدمة الإلزامية، تبكي عيون الأمهات غيابنا وتشر ق عيون الآباء بالفخر والاعتزاز والزهو الشخصي والوطني والقومي. لذلك كنا ننتصر. وكان العراق حاضراً في ملمات الأمة كلها. ولذلك كان العراق حصن الأمة الشرقي. ولذلك ظلت دماء شهداء جيشنا تومض في فلسطين ومصر وسوريا والأردن والأحواز وأرتاله الجسورة تحضر في السودان واليمن والخليج. فسلاماً يا مصنع الرجال الأبطال في ذكرى تأسيسك الخالدة.