بسم الله الرحمن الرحيم مآثر العرب المسلمين في الحكم الدكتور شاكر عبد القهار الكبيسي أوسلو 27/12/2022م أحدثت التطورات السياسية التي شهدتها أوربا واليونان وإسبانيا والبرتغال في سبعينات القرن الماضي ثورة ديمقراطية واضحة ما لبثت ان انتقلت الى أمريكا اللاتينيّة وآسيا وأفريقيا ووسط وشرق أوربا ولقد مثّلت ثورة ديمقراطية عالمية أشاعت آليات الحكم الديمقراطي في سبعينات القرن الماضي وما يقتضيه من سيادة القانون واحترام الرأي وتحقيق العدالة والمساواة وإقرار الشفافية والعدالة والمحاسبة مما أجبر النُظُم السياسية في هذا العالم على انتهاج سياسة تنسجم مع المعايير الديمقراطية الحديثة التي تحترم حقوق الإنسان وحرياته واختياراته وخدماته وتنميته وحياته وسعادته ونظرته للحياة والواقع حتى باتت المنظمات الدولية ومؤسسات المجتمع المدني تراقب ذلك عن كثب وتتدخل أحياناً للتغيير وعندما نتابع كتب التأريخ نرى أنّ جميع هذه المفاهيم والمعايير وما تمثّله من قيم إنسانية خالدة كانت سائدة خلال الحكم الإسلامي الرشيد قبل أكثر من 1400عام بينما عرفها التأريخ الحديث قبل سنوات قليلة فلم تكن أركان الحكم الإسلامي وأحكامه وقرارات قادته فردية تسلطية بل كانت تصدر من هموم الناس ومعاناتهم ونبض قلوبهم التي يتلمّسها الخُلفاء الراشدون من جولاتهم التفقدية في الأمصار والمدن الإسلامية وتعسّسهم ليلاً ونهاراً لسماع شكاوى الناس ومعرفة حاجاتهم وتفقُّد أوضاعهم ثم يعقب ذلك إصدار القرارات والتعليمات التي تحقق لهم آمالهم وترفع عنهم همومهم كما أن المجتمع الإسلامي لم يكن قائم على المحسوبية والمنسوبية والمصالح الشخصية بل على مقتضيات المصلحة العامة للدين وشريعته والمجتمع وحاجاته فلا جدار للفصل بين الراعي ورعيته ولا حاجب بين المواطن وحاكمه فلا فرق بين والي وخليفة وبين مواطن وعابر سبيل فلكلٍ حقه من بيت مال المسلمين حتى أمسى الإنسان قيمة ومسعى وغاية شُرِّعت لخدمته جميع الأحكام ويجري تطبيقها بعدالة ونزاهة ومساواة فلا فرق بين أعجمي وعربي في دولة الإسلام فكلهم لآدم وآدم من تراب . إنّ الإسلام يعني أكثر من دين فهو يمثّل نظريات قانونية ومالية ومجتمعية وسياسية لما فيه من نظام كامل قائم على المُثل والمعايير والثقافات الإنسانية والأطر العامة للعلاقة بين البشر قائمة على العدل والإحسان والمساواة والإيمان وإقامة الحدود على من يتعداها وفق للشريعة دون حيادية وفصل عنصري أو قومي أو ديني فإطار العام للسلوك الاجتماعي قائم على تحريم العدوان وتحريم قول الزور وأكل السُحت الحرام ويدعو إلى كَف لأضرار عن طريق ومسالك وحياة الآخرين كما تضمّن رعاية واحترام الرأي الآخر وإن خالفك حتى أصبحت الدولة الإسلامية دولة معيارية والسلطة فيها عهد ومسؤولية وليس مغنماُ وجاهاُ وسلطاناُ فشهد لها كثير من المستشرقين الأجانب وأشادوا بدولة الخلافة الراشدة القائمة على أسس ومبادئ شرعية وإنسانية تُطبق اليوم في أفضل الدول الديمقراطية الحديثة وأنا على يقين بأن يوماً ما سيعود ذلك الوهج الساطع للأمة وتسترجع دورها الإنساني الخالد من جديد يقول مراد هوفمان في كتابه الإسلام كبديل (لا نستبعد أن يعاود الشرق قيادة العالم حضاريا ً) وكان هذا الرجل قد أُعجب بتعاليم الدين الإسلامي وأحكامه حتى أعلن عن إسلامه عام 1980م وشغل مهامه سفيراً لألمانيا في الجزائر ما بين 1987-1990م وسفيراً للمغرب ما بين أعوام 1990- 1994م بعد إنْ أبهرته شريعة الدين وأحكامه والثقافة العربية ومكنونات الفكر الإسلامي وتراث العرب وحضارتهم فعكف على تأليف عدة كتب منها كتابه (الإسلام كبديل ) وفي الاتجاه نفسه ذهب المفكر والفيلسوف الإيرلندي جورج برنادشو أيضاً عندما قال (لقد درست أمة الإسلام فوجدتها دستورية) فهي قد ألغت السيطرة الفردية وامتياز الطبقات ورعت الحقوق والواجبات الإنسانية كما أشار برنادشو إلى أهمية العلوم والمعارف والتطورات العلمية المختلفة التي نهض بها المسلمون كما يقول ضابط برازيلي أعلن إسلامه واسمه جون لوقا دي قيارا ( جذبني للإسلام شخصية النبي صلى الله عليه وسلم وبساطته في الحياة ومعاملة الناس بالخير) هذه المواقف وحقيقة الدين وشريعته السمحاء أصبحت دافعاً للتآمر على هذه الأمة وتأريخها وحاضرها والتقليل من إنجازاتها والانتقاص من كل عمل بديع منسوب للعرب وللمسلمين ففاض غيض حسّادها ومناوئيها في السر والعلن وسخروا جهدهم ومواردهم وأزمانهم للتعتيم على شخصيتها ودورها في بناء أسس الحضارة في التأريخ الإنساني . لقد لعبت الخلافة الراشدة دوراً كبيراً في ترسيخ أسس الحكم الرشيد وأفردت مفاهيم سياسية نالت التطبيق والممارسة اليومية بجميع صورها فكانت الشورى والمحاسبة والعدالة وحرية الاختيار والفصل بين السلطات ومسؤولية الوالي أمام الله وأمام الرعية فإن خالف ذلك فلا طاعة له على أحد وما يؤسفنا اليوم ما تقوم عليه سياسة بعض الأنظمة العربية وبرامج حكوماتنا القائمة على التسلط والإكراه وتطبيق العدالة على الضعفاء من أبناء الأمة والعفو عن المتنفذين والمتحكمين بالمشهد السياسي بينما يُجبرون الرعية على الطاعة العمياء بإشاعة مفاهيم دخيلة وغريبة على مجتمعاتنا تشجع على الفساد وإشاعة روح الانقسام والتشكيك بحاملي ألوية الدين وسيوفه المشرعة في وجه الظلم والظالمين والتآمر عليهم والوقوف مع المعتدين الظالمين الطُغاة للنيل من تأريخ العرب ومجتمعاتهم وحضارتهم والتكالب على عقيدة هذه الأمة وسمو رجالها العظماء لإضعافها وتجهيل مجتمعها لتسهيل السيطرة على مقدراته ولكل عدو غاياته وأجنداته ومحكماته وأغراضه في ذلك . إنّ تشويش فكر المسلم وإضعاف علاقته بماضيه وإدخال الشك إلى نفسه في نظرته إلى قادته وسلفه الصالح وإضعاف تمسكه بقيم الفضيلة والتأريخ المجيد الّذي سطّره قادتنا الأجلاء والتنكيل والإساءة إل أهل العلم والكمال والدين والجلال غايته فرض عقائد وسلوكيات باطلة يطّلع بها بعض دعاة الدين والسياسة دمّرت سبل الحياة في مجتمعاتنا لأنها لا تنسجم مع واقع المجتمع المسلم وأخلاقياته وجودت قيمه وصحة مبادئه وعقديته السمحاء.