الاحتلال وفساد الإعلام والإعلاميين الأستاذ الدكتور عبد الرزاق محمد الدليمي عندما غزت أمريكا العراق عززت لنفسها الوجود العسكري والاستخباراتي والاقتصادي .... في المنطقة، وقد هيأت لذلك مجاميع وثلل سياسية ودينية طائفية تنفذ كل ما خططت له لتحقيق أهدافها بعد إزاحة النظام الوحيد الذي كان يقف ضد مصالحها غير المشروعة في المنطقة، فنشرت الخراب والدمار وأشعلت الصراعات والفتن الطائفية والعرقية وادَّعت نفسها الحامي للعراق، وأوجدت المسوغات القانونية مع عملائها الذين نصبتهم حكاماً على العراق لأن تبقى في العراق إلى أجل غير مسمى، من أجل تحقيق ذلك كان لابد لها من ألسن وأصوات وأقلام تبرر الاحتلال واستمراره، لذا خططت لاستقطاب أعداد من الفاسدين المحسوبين على الصحافة ووسائل الإعلام الأخرى الذين باعوا أنفسهم بثمن بخس ليكونوا خط الدفاع الاول عن المحتل(الامريكي البريطاني الصفوي الصهيوني) ،وليبرروا تنفيذ خططه السوداء لتدمير العراق وقتل وتهجير وتغييب اهله ونهب ثرواته. ادفع تقبض ثبت بالدليل القاطع أن الأميركيين الذين ملأوا الدنيا ضجيجاً، واعتبروا أنفسهم أصحاب الديمقراطية، وأنهم علموا البشرية الشفافية والحريات والقيم الكبرى في تاريخ البشرية ثبت أنهم كذابون بكل ما كانوا يدعونه، ففي العراق بعدما احتلوه هم وحلفائهم ومرتزقتهم تعاملوا مع وسائل الإعلام التي تأسست في العراق بعد نيسان 2003 بمنطق ادفع.. تقبض.. فدفعوا لبعض تلك الوسائل لنشر مقالات وتحقيقات في صحف عراقية تمجد العمليات العسكرية الأميركية، وتجمل وجه الجيش الأميركي وممارساته الإجرامية. في ملف الفساد قصص شتى، إذا رويت وكشفت فإنها لن تترك مجالاً إلا وطالته، لكن وهذا ما يجب التأكيد عليه، فإن الفساد لا يتأسس ولا ينمو من فراغ أو في الفراغ، الفساد حالة متكاملة تقود إليه وتنميه وتقويه، وأحياناً تحميه وتدافع عنه، فكل فاسد هناك من أفسده، وغالباً ما يفسد المال كل شيء تقريباً، هذا أيضاً لا يمنعنا من التأكيد على أنه حتى مع وجود المال فإن الاستعداد أو التربة المناسبة عامل أهم، فأموال الدنيا لا يمكنها أن تشتري ذمة صحافي شريف ودعوة عشاء تافهة يمكنها ان تغير قناعات صحافي آخر تافه كدعوة العشاء تماماً، ليس الإعلام فقط هو الفاسد، ففي الفساد لا أحد بعيد عن مرمى الاتهام!،في وسائل الإعلام في العراق المحتل يبدو ان الفساد اصبح طبيعياً (هنا لا يعني أننا نوافق عليه أو نعترف به )ذلك أنه المجال الذي لا يستغنى عنه السياسيون وأهل الاقتصاد والمصالح والأهداف الكبرى، كلهم يحتاجون إلى وسائل الإعلام ويتقربون إلى الإعلاميين، ويريدون كسبهم من أجل هدف واضح، الظهور والبروز والترويج سواء للشخص أو المشروع أو الفكرة أو لكسب الجماهير، ومن هنا يبدأ كل شخص في تحديد تعامله مع الإعلام وفق المثل القائل الإناء ينضح بما فيه ومع كل تلك المغريات فالصحافي الشريف لا يرضى بأن يتقاضى من مصادره حتى مجرد ثمن فنجان قهوة. يتفشى الفساد لغياب الدولة وتعطل القضاء والقانون والمحاسبة. فعندما تضعف الدولة تنتشر الفوضى ويعم الفساد، وهذا ما يحدث في العراق، النظام القوي هو الضمان الفعلي لمسيرة أي دولة ومجتمع صحيح يسوده الامن والاستقرار والرخاء بعكسه عندما يكون النظام ضعيف وفاسد تكون الدولة ضعيفة يعمها الفوضى والفساد، عندما يرفع المتظاهر البسيط شعارا يعتبر فيه ان الإصلاح يبدأ من إلغاء المحاصصة، فهذا دليل وعي يتطلب الدعم والمزيد من التثقيف به، لكن عندما يتحدث المسؤول الفاسد عن ضرورة محاربة الفساد، فهذا تضليل للرأي العام يتطلب فضح كل من يتستر خلف شعار محاربة الفساد وهو غارق بالفساد. الاحتلال والفساد الإعلامي خصصت الإدارة الأمريكية منذ الايام الاولى للاحتلال مبالغ مالية لتوزيعها على وسائل الإعلام العراقية بشكل سري لنشر أخبار وقصص عن بطولات الجيش الأمريكي في مواجهة المقاومة العراقية التي كانوا يطلقون عليها «الإرهابيين»، وهي المواد التي تمت كتابتها من مسؤولين في قطاع العمليات الإعلامية في الجيش الأمريكي لتحسين صورة أمريكا لدى الشعب العراقي وقد تسلمتها «مجموعة لنكولن»، ويعترف بهذا الدعم عديد من المسؤولين عن هذه الوسائل بأن تمويلها منحة من الكونجرس الأمريكي، فعلا ان وسائل الاعلام بعد الاحتلال اصبحت لا تتمتع بالمعايير المهنية (باستثناء بعض المؤسسات الإعلامية المستقلة).كما ثبت انه ذو هوية طائفية أو فئوية، مع غياب الهوية العراقية الجامعة، فالمتتبع لوسائل الإعلام في العراق بعد الاحتلال يجد أنها تحمل في طياتها مضامين دينية وسياسية خطيرة تمثل تهديدًا للمسلمين وللقيم الإسلامية والعقيدة الإسلامية الصحيحة وللعالم الإسلامي. فهي تهدف إلى نشر قيم دينية جديدة تقدم نفسها كبديل عن القيم الإسلامية الصحيحة، وتقوم على فلسفة الثأر والانتقام، وتركز في خطابها على عوام الناس وفق أسلوب دعائي يقوم على التلاعب بعواطف المتلقين من خلال إثارة الحزن والشجون في نفوسهم باستغلال قلة الوعي الديني، فأكثر الناس البسطاء بوعيهم لا يعلمون من دينهم إلا ظاهره، وبالتالي يسهل استغلالهم في التركيز على مسائل لسحبهم وفق الأساليب الدعائية الحديثة لتبني طروحات تلك القنوات. عندما يتحدث الفاسدون عن الفساد!! معروف في دهاليز السياسيين قدرتهم على توظيف الكلمات الضخمة، والحديث عن المبادئ والقيم العليا ، وقد لا تجد سياسيا فاسدًا يبرر الفساد، ولا لصًا يجادل في كون السرقة أمرًا مستهجنًا، ولا انتهازيًا يمدح الانتهازية، وما يدهشنا أن الفاسدين والمنافقين هم الأكثر قدرة على انتقاد الفساد والدعوة للتطهير، إن محترفي الفساد في كل العراق هم أكثر من يتحدثون عن الطهارة والشرف، ولديهم نظريات في الحديث عن الفساد والدعوة لمواجهته كأنهم من كبار رجالات أجهزة الرقابة، ولكن علينا ان نحذر من الفاسد الذى يتحدث كثيرًا عن مواجهة الفساد، وكثير من معارك نراها اليوم على الشاشات، أو مواقع التواصل، ظاهرها الحرص على الوطن، وباطنها المنافسة للبحث عن مكان بجوار السلطة أو بحضنها الدافئ بالمال الحرام ،فى عالم السياسة من الصعب أن تعثر على سياسي يقول الحقيقة، إلا بعد ابعاده قسرا من مركزه.. فالوزير أو المسؤول أو الفاسد السابق يتحدث مثل ملاك بأجنحة، وينتقد الفساد، ويقدم رؤى عميقة للمشكلات، وحلولًا عبقرية، بينما وهو في موقع المسؤولية يكون بليدًا وعاجزًا، وربما متورطًا في كل ما ينتقده بعد مغادرة مناصبه. وهناك منافقون وهم اليوم كثر عابرون لكل الأنظمة، يمتلكون قدرات على البقاء والفوز، لأن النظام السياسي والاجتماعي الذي أوجده الاحتلال يسمح لهؤلاء الفاسدين بالفوز، والوصول إلى مواقع التنفيذ والتشريع، لذلك على العراقيين أن يدركوا ان حديث هؤلاء الفاسدين كما هو الحال الآن، عن التغيير هو مجرد كلام للاستهلاك السياسي.. فلا يكفي أن يتحدثون عن مواجهة الفساد، بل الأهم هو تشريع القوانين التي تمنع الفساد. إن أكاذيب الديمقراطية الزائفة التي حاول الاحتلال تمريرها على الجهلة من العراقيين!! من اصابت هؤلاء بازدواجية السلوك، بالأمس يتحدثون عن فساد من هم الان في السلطة واليوم يصفقون لهم!! بكذبة محاربتهم الفساد!! والسؤال المهم هنا هل نحاربهم بالكلام؟ لماذا لم يطبقوا حتى دستورهم الهجين المعوق سيما تلك البنود الجيدة الواردة فيه التي تجرم الطائفية، التي تمارسها جميع القوى السياسية الحاكمة، سواء من خلال استغلال السلطة أو الخطاب السياسي أو الدعاية والتسويق الاعلامي والشعبي؟!. كل شيء أصبح واضحاً عندما يرفع المتظاهر البسيط شعارا يعتبر فيه ان الإصلاح يبدأ من إلغاء المحاصصة ونبذ الطائفية ومحاربتها بكل الوسائل التشريعية والسلوكية، فهذا دليل على وعي المواطن العراقي الذي نراهن علية وهذا يتطلب الدعم والمزيد من التثقيف التوعوي به، لكن عندما يتحدث المسؤول الفاسد عن ضرورة محاربة الفساد كما نسمع ونشاهد، فهذا افتراء وكذب وتضليل للمواطن العراقي يتطلب فضحه وفضح كل من يتستر خلف شعار محاربة الفساد وهو غارق به حتى فروة رأسه العفن.