الدور الإيجابي للدين في فكر البعث العربي الاشتراكي نبيل مرتضى إن العروبة لا تتعارض مع الإسلام بل هي مكون رئيس له ولا يمكن فصلها عنه لأن الإسلام رسالة عظيمة لا يستطيع أحد احتكارها، وهي رسالة لكل البشر، وإن انصهار العروبة بالإسلام يمنحه القوة والمنعة، وانصهار الإسلام بالعروبة يمنحها البعد الفكري والإنساني الرائع الخلاق، وأكد الرفيق أحمد ميشيل عفلق (فقبل أن يفتح العرب الأرض فتحوا أنفسهم وسبروا أغوارها وخبروا دخائلها، وقبل أن يحكموا الأمم حكموا ذواتهم وسيطروا على شهواتهم وملكوا إرادتهم). عندما نتحدث عن البعد الإيماني في تكوين الشخصية العربية لابد من الإشارة إلى مؤسس البعث الذي لم يتطرق إلى هذه المواضيع بأسلوب منهجي أو أكاديمي فقط، وإنما كانت عبارة عن مخاض فكري استمر لأكثر من خمسين عاماً يدرك ما يعانيه مجتمعنا العربي، وليس يعالجه بمنظور فيلسوف وإنما كأمين عام للحزب منذ التأسيس إلى وفاته، فكان يغني الفكر العربي بالفكر العربي على أساس الغايات النبيلة لأنه كان جل اهتمامه بالحقيقة وليس أنفسنا. كان موقف القائد المؤسس أحمد ميشيل عفلق من الدين واضحاً ومتكاملاً، فهو ينطلق من مبدأ أساسي عبّر عنه بقوله: (إن الروح هي الأصل في كل شيء، وإن الدافع الروحي العميق لا يسيطر على المادة والوسائل فحسب، وإنما يخلقها أيضاً). كما يؤكد أن (الدين كما يظهر لنا من استعراض تاريخ البشر منذ أقدم العصور إلى اليوم هو شيء أساسي في حياة البشر)، وانطلاقاً من هذا المبدأ يعلن بوضوح أن حزب البعث (يطرح جانباً ذلك الاستخفاف الرخيص بالدين الذي يظهر عند بعض الشبان السطحين)، مؤكداً أن موضوع الدين هو موضوع جدي ولا يمكن أن نحله بكلمة أو بحكم سطحي عابر، ولهذا يجب أن نفرق بين الدين في حقيقته ومرماه وبين الدين كما يتجسد أو يظهر في مفاهيم وتقاليد وعادات ومصالح في ظرف ومكان معينين، يؤكد الرفيق المؤسس (لا دين مع الفساد والظلم والاستغلال)، إن الدين الحقيقي هو دائماً مع المظلومين ومع الثائرين على الفساد. إن الدين في تصوره إنما وجد ليشجع المحبة والإخاء ليحمي الضعيف ولكن أصبح بممثليه سياجاً لكل هذه المساوئ من ظلم وفساد وإلحاد. يحذر الرفيق أحمد ميشيل عفلق من الفهم السطحي للدين ما دام ممثلو الدين الرسميون هم في صف الواقع الفاسد وليس في صف الثورة على الفساد، لذلك يجب التخلص من الدين لأنه سلاح بيد الظالمين والمفسدين. يرفض الرفيق أحمد ميشيل عفلق هذا النوع من الفهم للدين لأنها تعكس السطحية والاستنتاج الخاطئ جداً، وهذه النظرة التي توقفت عندها الشيوعية التي ترى أنه ما دام الدين قد استخدم خلال التاريخ، بصورة خاصة التاريخ الحديث، حيث تفاقمت الفروق الطبقية والاستغلال الطبقي، لذلك رأت الماركسية أن تنسفه نسفاً. يؤكد الرفيق أحمد ميشيل عفلق (على الرغم من معرفتنا الطريقة الرجعية التي استخدم الدين بها يكون داعماً للظلم والتأخر والعبودية نثق على رغم ذلك بأن الإنسان يستطيع أن يثور على هذه الكيفية في استخدام الدين وعلى هذا النوع من التدين الكاذب والمشوه، وأن يعطي في نفس الوقت للدين الحقيقي الصادق حقه. من هنا كان رفض موقف الشيوعية من الدين يستلزم أيضاً رفض موقف الرجعية الدينية، لأن الرجعية الاجتماعية تؤلف مع الرجعية الدينية معسكراً واحداً يدافع عن مصالح واحدة وأنها أكبر خطر على الدين. فبمقاومتنا الرجعية الدينية من دون اعتدال ومن دون مسايرة وبمواقفنا الجريئة المؤمنة منها ننقذ مجتمعنا العربي من تشويه الإلحاد. عبر الرفيق القائد المؤسس عن موقفه من الإلحاد حيث قال: (نحن لا نرضى عن الإلحاد ولا نشجع الإلحاد ونعتبره موقفاً زائفاً في الحياة. إذ الحياة معناها الإيمان ولكننا ننظر إلى الإلحاد كظاهرة مرضية يجب أن تعرف أسبابها لتداوى) وأسبابها هي الظلم والفساد الاجتماعي، ولذلك يستشهد القائد المؤسس أحمد ميشيل عفلق بقول الرسول العربي: (كاد الفقر أن يكون كفراً)، ويرى أن معناه هو أن الأوضاع الفاسدة تخرج الإنسان من دينه. هذا الموقف العام والإيجابي من الدين الذي يرفض في آن واحد الإلحاد واستغلال الرجعية للدين، وينظر بالمقابل إلى الدين بوصفه يقع في صميم القضية العربية. هذا الموقف المتعدد الأبعاد والمتكامل يكتسي معنى مشخصاً عندما يتحدث القائد المؤسس عن الإسلام ليس فقط كعقيدة بل أيضاً كرسالة، كانقلاب وثورة، حيث يشخص حالة تراجع الأمة بعد حالة البعثة وصدر الإسلام من تراجع وانحطاط لتربط ذلك بالإيمان الراسخ بإمكان ووجوب البعث من جديد، حيث يؤكد: (لقد أفصح الدين في الماضي عن الرسالة العربية التي تقوم على مبادئ إنسانية)، ويستخلص القائد المؤسس من هذا الشرح الفلسفي لتاريخ العرب النتيجة التالية يقول: (في حياتنا القومية حادث خطير هو حادث ظهور الإسلام، حادث قومي وإنساني وعالمي، فيه عِظة بالغة، فيه تجربة هائلة، بل نموذج يجب أن يستلهم ويحتذى، إن الإسلام عند ظهوره هو حركة ثورية ثائرة على أشياء كانت موجودة) هذا هو الحال في الماضي، فلو تخيلنا أن المسلمين الأوائل الذين عرفوا النضال من أجل المبدأ وذاقوا كل مرارته واجتازوا امتحانه ودفعوا ضريبته، هذه الفئة لو جاؤوا اليوم وهبطوا على حياتنا العربية الحاضرة، أي وسط يستطيبونه، أنا أعتقد أنهم لن يستطيعوا العيش إلا في القرى المظلمة البائسة مع المظلومين والمستعبدين، إلا في السجون مع المناضلين، فأصحاب دعوة الحق هم دائماً إلى جانب الحق) لهذا فإن ظهور الإسلام وتجربة المسلمين لم يكن مجرد حادث تاريخي مضى بل إنه يرى فيهما مرجعية للثوري العربي المعاصر بل مرجعية للثوري العربي في أي زمان ومكان، وهذا ما عبر عنه بجلاء في محاضرته في ذكرى الرسول، حيث قال: (إن حركة الإسلام المتمثلة في حياة الرسول الكريم ليست بالنسبة للعرب حادثاً تاريخياً فحسب تفسر بالزمان والمكان وبالأسباب والنتائج بل إنها لعمقها وعنفها واتساعها ترتبط ارتباطاً مباشراً بحياة العرب).