هكذا كان رجال العراق الشرفاء في العهد الوطني  قصة مع المرحوم الدكتور ناجح محمد خليل الراوي العالم المهندس الوزير في العهد الوطني الذهبي للعراق   في بداية عام 1978 وبعد فترة وجيزة من تعييني مديرا عاما للشركة العامة للسيارات في الإسكندرية في محافظة بابل، بدأنا بتنفيذ مشاريع للتوسعات وإدخال تحديثات في خطوط الإنتاج والبنية التحتية (كانت الشركة إحدى شركات وزارة الصناعة وتنتج شاحنات ثقيلة وخفيفة، وباصات كبيرة وصغيرة بالتعاون مع شركات عالمية مثل سكانيا السويدية، سافيم رينو الفرنسية، وايكاروس الهنكارية). وكانت الشاحنات والباصات التي تنتجها الشركة مرغوبة جداً لدى الزبائن وموضع فخر لدى العراقيين لمتانتها. وهذا بفضل جدية وإخلاص العاملين في هذه الشركة والإدارات التي تعاقبت عليها. وكان أحد المشاريع التي قررنا ان ننفذها بدون تأخير هو انشاء طريق طوله عدة كيلومترات (Test Track) داخل أراضي الشركة مكرس لفحص الشاحنات والباصات الجديدة وقيادتها بسرعة عالية (بعيدا عن الطرق العامة) والتأكد من جودتها وسلامتها وفق المواصفات العالمية، وكما تفعل شركات صناعة السيارات العالمية. علماَ بأن طريق الفحص يتطلب مواصفات تصميمية عالية الدقة لمراعات السلامة عند المنحنيات والاستدارات والانحدارات، الخ. عندما بدأنا إجراءات الإعلان عن الدعوة الى الشركات الاستشارية العراقية والعالمية المتخصصة بتصميم الطرق الخاصة وغير التقليدية للتقدم بعروضها وفق ما تنص عليه التعليمات واللوائح المالية والقانونية، استدعاني وزير الصناعة (آنذاك) المرحوم العالم العراقي الدكتور ناجح الراوي، وذكَرني بأن تخصص هندسة الطرق هو ضمن تخصصه العلمي وأن شهادة الماجستير التي يحملها من جامعة بردو الامريكية هي في هندسة الطرق، والدكتوراه من جامعة اوكلاهوما  الامريكية هي في تثبيت التربة، وأعرب عن استعداده بأن يقوم هو بنفسه (وبدون أي مقابل مالي) بتصميم طريق الفحص المطلوب بدلا من استخدام شركة هندسية استشارية وبفترة وجيزة, مع تحمله مسؤولية جودة التصميم والالتزام بأعلى المواصفات العالمية، كمساهمة إضافية منه لخدمة الوطن والمساهمة في تطوير صناعته. وهذا ما حدث، حيث وافقت على المقترح، وأنجز المهندس الوزير الدكتور ناجح الراوي تصميم طريق الفحص خلال أسابيع (وبدون أي مقابل مالي أو حتى كسب اعلامي)، وأعلنت مناقصة التنفيذ وفق الاصول وتم الانشاء في الزمن المحدد، والاستخدام. لا أعلم ان كان طريق الفحص هذا (Test Track) لا يزال قائما في الإسكندرية للان، أو أنه قد تم تخريبه ونهبه بعد احتلال العراق كما حدث مع أغلب منجزات ومنشئات الوطن. ولكني شعرت بأن من واجبي أن أروي هذه الحادثة لكي يعلم أبناء وطني الجريح كيف كان الرجال الوطنيون والمهنيون ذوي النفوس العفيفة والنزيهة مثل الدكتور ناجح يبنون العراق. نسأل الله تعالى أن يرحم الدكتور ناجح الراوي ويدخله فسيح جناته، ويعيد للعراق عافيته. الدكتور براق سعيد يحيى (دكتوراه في الهندسة الميكانيكية، جامعة برمنكهام - بريطانيا) خبير التخطيط الاستراتيجي- قطر