عجب العجاب وطني يتسلط فيه الخونة وبعض أبنائه يرقصون لهم - الحلقة الثالثةزامل عبد للحقيقة إن أبواب الخيانة متعددة ، ومداخلها متشعبة ، وعلى كل عاقل أن يحترز لنفسه حتى لا يوردها المهالك والخيانة لا تتجزأ فهي صفة مذمومة ومشؤومة بكل المقاييس والأحوال ، ولكن تخف حدتها حسب ما هو مترتب عليها ، قال الذهبي (( الخيانة قَبيحة في كلِّ شيء ، وبعضها شرٌّ من بعض ، وليس مَن خانك في فلس كمَن خانك في أهلك ومالك وارتكب العظائم )) إنَّ التاريخ حافل بنماذج الخيانة والخائنين على مر العصور، وجسد الأمتين العربية والإسلامية ليس به موضع إصبع إلَّا وتجد تحته أثرا لخيانات متعددة ، تارة من أعدائها ، وتارات - وهو أنكى وأشد الما - من بني جلدتها وذلك لأن أعداء الأمتين عندما ييأسون من القضاء عليهما في مجال من المجالات يقومون بزراعة ورم سرطاني خبيث ، ينهك هذا الجسد ويودي به ، فالرسول صل الله عليه واله وسلم سمته يهود والخلفاء الراشدين الأربعة عمر الفاروق قتله أبو لؤلؤة المجوسي ، وعثمان قتلته يد الغدر ، والامام علي قتله الخوارج وابن ملجم المشكوك بنسبه ، والامام الحسين قتل بمشورة من البيزنطي والفارسي ومن قاتله هم الفرس الذين يشكلون الكتيبة الحمراء وقائد الرماة حرمله بن كاهن وهم من الجيش الفارسي الذين تم اسرهم في معركة القادسية الأولى واعلنوا اسلامهم واستوطنوا الكوفة {{ من الكتائب التي اشتركت بقتل الامام الحسين عليه السلام في معركة كربلاء وينادوهم بالأحامرة أو الموالي ، وهي تتكون من 4 آلاف مقاتل وكانوا من بلاد الري وقسم منهم استوطن الكوفة والمؤرخ البلاذري يقول في الكوفة كان مع رستم يوم القادسية 4 آلاف منهم ، يسمون جند الشاه نشاه ، أي جند ملك الملوك ، فاستأمنوا على أن ينزلوا حيث أحبوا ، ويحالفوا من أحبوا ، ويفرض لهم العطاء فحالفوا بني تميم وأنزلهم سعد بحيث اختاروا وفرض لهم ألف ألف أي مليون دينار أعطاهم من أجل أن ينزلوا وكان لهم نقيب يسمى ديلم }} وفي بئر معونة قتل سبعون من خيار الصحابة ، وإنَّ الخيانة موجودة في كل الأمم في وقت السلم ، وتشتد في الحرب ، ولم يسلم منهم زمان دون زمان ، ولا مكان دون مكان بل لم يسلم منهم أفضل زمان بوجود أفضل رجل ورجال ، زمن النبي وصحابته الكرام ، فكيف بمن بعده ؟! ، وأورد هنا بعض الأمثلة أبو رغال يعد أبو رغال الخائن الأكبر الذي جعل من نفسه دليلًا وعميلًا لأبرهة الأشرم عندما عزم على هدم الكعبة ولقد مر الرسول صل الله عليه واله خير البرية وسلم بقبره فرجمه ، فأصبح رجمه سنة ، وعبدالله بن أُبي بن سلول حيث خان النبي صل الله عليه واله خير البرية في غزوة أُحد عندما خرج رسول الله صل الله عليه واله خير البرية وسلم في ألفٍ من أصحابه ، انخزل عنه عبدالله بن أُبي بن سلول بثُلث الجيش ، وقال قولته المشهورة (( أطاعهم وعصاني ! )) يقول (( ما ندري علامَ نَقتل أنفسَنا هاهنا أيها الناس ؟ )) والمرجِفون في غزوة تبوك قال ابن إسحاق وقد كان رَهط من المنافقين منهم وديعة بن ثابت أخو بني عمرو بن عوف ومنهم رجل من أشجَع حليف لبني سلمة يقال له مخشن بن حمير ( قال ابن هشام : ويقال : مخشي ) ، يشيرون إلى رسول الله صل الله عليه واله خير البرية وسلم وهو منطلِق إلى تبوك ، فقال بعضهم لبعض : أتحسبون جِلاد بني الأصفر ( يعنون الروم ) كقِتال العرب بعضهم بعضًا ؟ والله لكأنَّا بكم غدًا مُقرنين في الحبال ، إرجافًا وترهيبًا للمؤمنين ، وعبدالله بن سبأ المعروف بـ ( ابن السوداء ) لقد كان لابن سبَأ الخائن الدور الكبير في الفِتنة العظمى التي حصلَت بين الصحابة رضوان الله عليهم في موقعة الجمل ، وجاء في البداية والنِّهاية أنَّ عبدالله بن سبأ قال لبعض أصحابه (( يا قوم ، إنَّ عزَّكم في خلطة النَّاس ، فإذا التقى الناس فأنشِبوا الحربَ والقتال بين الناس، ولا تدعوهم يجتمعون )) ، وابن العلقمي كان ابن العلقمي وزيرًا للخليفة العباسي المستعصِم بالله محمد الظاهر ، وكان لابن العلقمي الدور الكبير في دخول التتار إلى بغداد ، وسقوط الخلافة العباسية فيها ، كتَب ابن العلقمي إلى هولاكو قائد التَّتار أنَّه على استِعداد أن يُسلِّمه بغداد إذا قام بالهجوم عليها ، فكتب هولاكو لابن العلقمي (( إنَّ عساكر بغداد كثيرة ، فإن كنت صادقًا فيما قلتَ لنا وداخلًا تحت طاعتنا ، ففرِّق العسكر )) فلمَّا وصَل الكتاب إلى ابن العلقمي ، أخذ يتحايَل على المعتصم ويقنعه بعدَم جدوى هذه الأعداد الكبيرة من الجنود حيث إنَّ التتار قد رجعوا إلى بلادهم ولا حاجة لتكليف الدولة كلفة هؤلاء الجند فاستجاب الخليفةُ لرأيه ، وبالفعل تمَّ تسريح أعداد غَفيرة من أفضل عناصر الجيش ، يقول المؤرِّخون إنَّ ما تم تسريحه يقارب مائتي ألف فارس ولما أتم حيلته ، كتب إلى هولاكو بما فعل ، فركب هولاكو وقدِم بجيشه إلى بغداد ، وأثناء المعركة أرسل ابن العلقمي جماعةً من أنصاره ، فحبسوا مياهَ دجلة ، حتى تعوق تفوق جيش بغداد ، وبالفعل انتصر التتار، وقَتلوا الخليفةَ وابنه ، وأفسدوا في البلاد أشدَّ الفساد ، ثم دعا هولاكو بابن العلقمي ليكافئه ، فحضر بين يديه ، فوبَّخه على خيانَته لسيِّده الذي وثِق به ، ثم قال (( لو أعطيناك كل ما نملِك ، ما نرجو منك خيرا ، فما نرى إلا قتلَك )) وقتله بالفعل - وهذا مصير كل خائن لان سيده لا يؤتمنه بعد تحقيق فعل الخيانة - ، واتوقف أيضا عند خيانة الناصر يوسف الأيوبي وهو من أحفاد صلاح الدين الأيوبي ، وآخر ملوك الدولة الأيوبيَّة ، وكان من خيانته أن قام النَّاصر يوسف الأيوبي بمَنع الإمدادات والمساعدات عن الكامِل محمد الأيوبي ، وساعَد كذلك في حصار مدينة ميا فارقين ( بين دجلة والفرات ) ، وساعد هولاكو في الهجوم على مصر لتخليصها من بين يدي المماليك ، والأكثر من ذلك أنَّ العزيز بن الناصر يوسف آثَر أن يَبقى في عسكر هولاكو ليهاجم معه المسلمين ، وبالرغم من كلِّ ذلك أرسل هولاكو رسالةً إلى الناصر يوسف الأيوبي يهدِّده ويتوعَّده بل ويأمره أن يأتيه هو وجنوده وفي نهاية رسالة التهديد والوعيد هذه كتب قائلًا (( وقد بلَغنا أنَّ تجَّار الشام وغيرهم انهزموا بحريمهم إلى مصر فإن كانوا في الجبال نسفناها ، وإن كانوا في الأرض خسفناها )) بعد هذه الرسالة التي يُفهم منها تجريد الناصر يوسف من كلِّ شيء والقضاء على حلمه يتبع بالحلقة الاخيرة