مثقفو الأمة، واعتناق الفكر المقاوم! ناصر الحريري "المقاومة بمفهومها العام هي ردّة فعلٍ واعية تبادر إليها قوى مجتمعية رداً على واقع غير مألوف ومرفوض في الوقت ذاته متمثلاً في الاحتلال المباشر وغير المباشر". فهي إذاَ ردة فعلٍ مشروعة على فعلٍ غير مشروع مستمر بأوجهه المتعددة طالما لم يتم تغيير وتصحيح الواقع. إن ما تعرضت وتتعرض له أمتنا العربية من ويلات ونكبات واستعمار بكل أشكاله القديمة والحديثة أسهم في إنتاج الفعل المقاوم لكل أشكال الاحتلال والغزو، فكرياً وثقافياً واقتصادياً وعسكرياً. لا يمكن أن تتخيل شعباً من شعوب الأرض مرحباً بمن جاء محتلاً لأرضه وغاصباً لحقه، ولا يمكن أن تتخيل شعباً يستكين ويرضخ لمحتل يقتل ويدمر وطنه، فلا بد لأي محتل وغاصب أن يواجه غضب الشعب والأرض. فالإيمان بقدرة الشعوب على تجسيد إرادتها أفعالاً، هو أساس الفعل المقاوم وضمانته لتحقيق النتائج على الأرض. وتعتبر الحاجة النابعة من ظروف المجتمع الذاتية وخصائصه المحلية هي العامل الرئيس لنشوء المقاومات الشعبية وليس بقرارات حكومية غير قادرة على تلبية طموحات وآمال الإرادة الشعبية. إن ما تتعرض له الأمة العربية من استهداف استراتيجي دولي ذو طابع عدواني عزز ورسخ ثقافة المقاومة التي جاءت كضرورة ملحة رداً على هذا الاستهداف. إن تعزيز ثقافة المقاومة من الكلمة إلى الرصاصة مروراً بالأشكال الاقتصادية والثقافية والمجتمعية والفكرية والعسكرية كافة وصولاً حتى انتزاع الحق كاملاً وهزيمة كل أشكال الاحتلال والغزو. إن قدرة المقاومة على النجاح والتغيير يرتبط بدرجة احتضان المجتمع لها، وقدرته على استيعاب أهدافها والحرص على توفير متطلبات النجاح، وكذلك فإن الدعم المادي شرط أساسي لنجاح المقاومة فهي بحاجة للدواء والغذاء وغيرها.. كما لا بد للمقاومة من الارتباط بفكر يتناسب مع أهدافها ومبادئها، ويكون قادراً على قيادة الفعل المقاوم ضد الاحتلال وكل أشكال الغزو. إن الفعل المقاوم يقوم على مجموعة من الأسس الضرورية لنجاحه، فهو يحتاج لثقافة نضالية تبتعد عن العدوان، وتنشر قيم المحبة في المجتمع لا قيم الكراهية ولا تخاصمه أو تتهمه بالخيانة أو العمالة. كما أن هذه الثقافة تفرق بين السلام وبين الاستسلام، السلام الذي يترافق مع الحصول على كامل الحقوق، والتمسك بالثوابت الوطنية والقومية ولا تفرط بها ولا تساوم عليها. ثقافة متجددة خلاقة توسع رقعتها وتنضج عبر مراحل عدة، نفسياً وسياسياً وعسكرياً حتى تكون قادرة على الصمود والتصدي والتفاعل مع الواقع. إن المقاومة لا تبدأ إلا حين يدرك الفرد أو المجموعة للظروف المحيطة والإلمام بكافة تفاصيلها، والمعرفة الجيدة للعدو وطرق عمله وخططه الاستراتيجية القريبة والبعيدة المدى. إن إدراك ومعرفة أهداف العدو وأساليبه في الحرب العسكرية والنفسيَّة من أهم عناصر المقاومة لهذه الحرب، وتعتبر الحرب النفسية من أهم الحروب التي تخوضها أي مقاومة لذلك فإن كل مقاوم مطالب أن يكون واعياً ومدركاً لكثير من الأمور حتى لا يتم تضليله وخداعه. وهذا الوعي يجعل المقاوم مستعدًّا استعدادًا نفسيًّا لمواجهة الحرب النفسية، وعدم الاستجابة لها والتأثر بها، وخاصة إذا كان يتمتع بالمعرفة والوعي والإيمان القوي بقضيته والعقيدة الراسخة التي تمنحه القدرة على الثبات. إن وعي المقاومة فكرياً وعملياً هو العنصر الأكثر تأثيراً في تحقيق النصر وهو الأساس الذي يبنى عليه مواجهة هذه المشاريع، فصياغة مفهوم موحد وبأساليب متعددة ومتكاملة إضافة للممارسة العملية سواء بالكلمة أو السلاح هو السبيل الوحيد لترسيخ مفهوم وفعل المقاومة وقدرتها على التصدي للمشاريع التي تسعى للنيل من الأمة. إن المثقف العربي يواجه في خضم دوره في المجتمع تحدياً كبيراً يضعه في الواجهة، ويتطلب منه القدرة على طرح الحقيقة والتعبير عن الرأي الحر وإعلاء الحق في ظل سيادة أوساط مشبوهة. إن المرحلة التي تمر بها الأمة لا مكان فيها للميوعة الثقافية، ولا لأشباه المثقفين فإما التواجد في الصفوف الأولى للمقاومة الثقافية أو عدمه. تتطلب هذه المقاربة إطلاق كامل الطاقات الفكرية والثقافية للدفاع عن الحرية والاستقلال والكرامة الوطنية والقومية، وحماية مقدرات الأمة. تتطلب ثقافة ترتقي لطموحات الشعب وآماله وأحلامه، وهي الارتقاء بالوعي الجمعي وحماية روح الأمة، وحماية الشعب من الانزلاق في هاوية الضياع والتشويه. فإما أن تكون الثقافة هي ثقافة مقاومة بالمعنى الكلي للكلمة وفي كل ميادين الفعل الاجتماعي أو لا تكون. فالمثقف الحقيقي هو الذي يحمل روحه قبل قلمه ليدافع عن الأمة ويتصدى للقهر والهيمنة، فإن لم يكن كذلك، فليتنحى جانباً وينتقل بكل وضوح للضفة الأخرى.