العلاقة بين العروبة والفكرة القومية ومطب التجديد والتحديث الأستاذ الدكتور كاظم عبد الحسين عباس/ أكاديمي عربي من العراق العلاقة بين القومية والتي يمكن أن نسميها (نظرية العروبة) وبين النظرية القومية هي علاقة تشكل في جوهرها ركناً هاماً من أركان عقيدة حزب البعث العربي الاشتراكي، القومية التحررية الاشتراكية، ويمنح فهمها فهماً عميقاً دلالات ومؤشرات على ارتقاء ثقافة البعثي خاصة والعربي عموماً إلى مستوى الوصف بأنه إنسان رسالي. ويبدو أن تناول الصلة بين العروبة ونظريتها ليس فقط سمة من سمات الاقتدار الفكري الذي قد يصل إلى درجة الفلسفة والخلق والابداع بل إن هذه الموضوعة في الوقت نفسه ممكن أن تشكل المدخل للعداء للبعث وللاستخدام الخارج عن روح البعث. العلاقة بين العروبة والنظرية القومية يمكن أن توضع في قوالب تضر النضال القومي وأن تستخدم في تشويه الفكرة القومية البعثية لفهم الترابط يتطلب قدراً عالياً من الثقافة والوعي والاقتدار في التعبير عن مضامينها. إن العودة إلى جوهر المنهج البعثي المرتكز على طبيعة الربط البنيوي الأخلاقي الإنساني بين العروبة وبين الفكرة القومية للعروبة يوفر للباحث ركناً يؤمن أقدامه من الانزلاق إلى مطب يكسر الظهر إذا وضعت العروبة على أنها مفهوم قابل للتجديد والحداثة. ونحن هنا نعود إلى بعض طروحات الرفيق القائد المؤسس أحمد ميشيل عفلق لنعيد قراءتها بعمق وتأن، ومن ثم نحتكم إليها في مجادلة ما يطرحه البعض من أن العروبة حالة معزولة عن مكونات البيئة السياسية والاقتصادية والدينية والاجتماعية وإن خدمتها وتجديد الحياة فيها يقتضي عزلها عن العوامل التي أشرنا لها تواً. الفكرة العربية أو العروبة لا تحتاج إلى جدل وحوارات ونقاشات، بل ولا تحتاج إلى نضال، والأغلب أنها لا تحتاج إلى معاهد بحوث ودراسات، لأنها واقع بديهي يفرض نفسه هي ذات الإنسان العربي وهويته، وسحنة وجهه، هي عرضه وشرفه وكل ثوابته القيمية والأخلاقية، وهذه المكونات البنيوية لا تحتاج الى تجديد ولا إلى تحديث. هذا ما يقوله الرفيق أحمد ميشيل عفلق رحمه الله في مقال القومية والنظرية القومية: ((إن القومية العربية لدى البعث، هي واقع بديهي يفرض نفسه، دون حاجة إلى نقاش او نضال، أما مجال الاختلاف وضرورة النضال فهما في محتوى هذه القومية، هذا المحتوى المتطور الذي يحتاج في كل مرحلة من مراحله إلى نظرية قومية تلائمه. ولهذا لا موجب لأن نناقش في أننا عرب أم لا، ولكن يجب أن نختار وأن نحدد مضمون العروبة في المرحلة الحاضرة: أتكون رجعية أم تقدمية؟ أتستقيم مع الاستعمار والاستبداد أم شرطها الحرية؟ وهل تبقى مع التجزئة أم أن الوحدة شرط أساسي لها)). النظرية القومية الفكرة القومية إذن هي التي تحتمل التغاير وهي التي تستوجب النضال لأن النظرية القومية هو محتوى القومية العربية، وطبيعي أن المحتوى يختلف بين حقبة زمنية أو مرحلة وأخرى. النظرية القومية هي محتوى الفكرة القومية (العروبة). وقد قدم القائد المؤسس تعريفات للعروبة حين وصفها بأنها (حب قبل كل شيء) ليسد الطريق على ربط العروبة بالشوفينية والتعصب، وقال عنها إنها بديهة خالدة، بمعنى أن العروبة لا تحتاج إلى تعريف بل هي تعرف نفسها، لأنها هوية، وقال عنها إنها قدر محبب لأن العربي يمكن أن ينكر أي شيء إلا عروبته، وإذا حصل وأنكر العربي هويته العربية تصبح العروبة غير محتاجة له. العربي يحتاج هويته وليس العكس، وهذا التصريف يصح وينطبق على كل الإثنيات الإنسانية. يقول الرفيق القائد المؤسس أحمد ميشيل عفلق: (ولذلك فرق الحزب منذ تأسيسه بين "الفكرة العربية" وعنينا بها القومية العربية، وبين "النظرية القومية"، فقال إن الفكرة العربية هي بديهية خالدة، وهي قدر محبب، وإنها حب قبل كل شيء، أما النظرية القومية فهي التعبير المتطور عن هذه الفكرة الخالدة حسب الزمان والظروف، وإن هذه النظرية تتمثل اليوم -حسب اعتقادنا- في الحرية والاشتراكية والوحدة. وبهذا التفريق تتسع القومية العربية لكل هذا الواقع الغني الممتد عبر عصور التاريخ في جميع اقطارنا، فهي تحتضن هذا التاريخ وتتغذى به). إذاً: إن التجديد والحداثة التي أقرها البعث منذ تأسيسه وليس كما يدعي البعض من التجديد والحداثة هدف سياسي راهن. التجديد والحداثة والنضال والجهاد والابتكار والخلق والإبداع العربي وعاءه الفكرة القومية، الفكرة القومية هي التي يتمحور حولها تطوير النظريات والفلسفات وطرائق الحياة، ويخطئ من يضع العروبة موضع الفكرة القومية أو من يخلط بين الفكرة القومية وبين العروبة. المصدر: ميشيل عفلق/ في سبيل البعث -الجزء الأول