شجرة البعث لن تهتزّ أمام تفريخ التَّكتلات حسن خليل غريب بعد وفاة الرفيق القائد عزة ابراهيم، الأمين العام للحزب رحمه الله، طلع من جذع نخلة الحزب في القطر العراقي بعض التفريخات التي زعمت أنها حريصة على الحزب. وراحت توزِّع الأوسمة في النضال على من تشاء، وتحجبها عمَّن تشاء. ضاربة عرض الحائط نصوص نظامه الداخلي، فاستباحت قيم الحزب ومبادئه، ونقلت أسرار الحزب الداخلية، وقيم الحوار الديموقراطي، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا دليل اصرار على التخريب. والأخطر ما فيها أنها لجأت إلى منهج تخوين قيادات وقواعد من الذين أثبتوا وفاءهم لمباديء الحزب وقيمه النضالية عبر عشرات من السنين. لهذه الأسباب وجدتُ نفسي مرغماً على أن أكتب رسالة ثالثة عن تلك الأفعال المشينة، بعد أن وعدتُ بأن أترك فرصة لهم لعلَّهم يرعوون ويعودون عن غيَّهم، وبالتالي يعودن إلى ممارسة حقهم الديموقراطي داخل أجهزة الحزب الشرعية. ولكنهم أوغلوا في أخطائهم أكثر وأكثر، خاصة بعد أن قاموا بتمثيل مسرحية مؤتمرات عقدوها، مؤتمرات لا تحمل أية شرعية، بل هي خارج اطار الشرعية الحزبية. علماً أنَّ ما قاموا به لم يكن هو الفعل التخريبي الوحيدة، بل سبقه العديد من تلك الأفعال الجرمية بحق البعث وقيادته. وقد يلحق بها عشرات أخرى، طالما تبقى الأنانية والنرجسية والنزعة القطرية تعشّش في نفوس البعض. لذلك، بين مرحلة ومرحلة يُفرِّخ تكتّل مرحلي من جذع شجرة البعث، لنزعات فردية وصولية غالباً ما تتغطّى تحت شعارات مبدئية مشوَّهة لا تصمد أمام البرهان العقلي ولا أمام البرهان التجريبي. تلك معزوفة حفظتها الأجيال المخضرمة من البعثيين، وخبرتها وعجنتها ووصلت إلى نتيجة أنها عبثية بكل معنى الكلمة. ولذلك لم أسمع أحداً من كثير من الرفاق المخضرمين مَن قابل (تكتّل الصقور) الأخير سوى بالاستغراب والاهمال، وذلك لأنهم لم يتَّعظوا من تجارب (التّكتلات) السابقة ومصيرها. إنَّ رسالتي، كبعثي مخضرم، لهؤلاء الذين لم يتَّعظوا، وبالأخص من تمَّ تضليلهم ممَّن نعرف عنهم مصداقية بالانتماء إلى البعث والمؤمنين بثوابته الفكرية والسياسية. وأتوجه إلى من يزعمون بأنهم (صقوراً)، مستنتجاً أنهم مصرُّون على غيِّهم ولا تنفع معهم النصيحة لأنهم ذوو تجربة سابقة بـ(لعب) تجربة التكتلات، ولا ينفع معهم غير الكشف عن أضاليلهم، والتحذير من أهدافهم. وكفاتحة لمقالي هذا، كأحد المخضرمين في الحزب منذ أواخر الخمسينيات من القرن العشرين، أحذِّر من يزعمون أنهم أكبر الصقور من الاستمرار في تزوير الحقائق واتِّباع الوسائل غير الشرعية. ومناشداً مَن ضلَّلوه بالكثير من التفصيلات الكاذبة، وأغرقوه بأخرى لا يستطيع الكشف عن مدى الكذب فيها. ومناشدتي للصادقين منهم لأنهم سيُضيِّعون وقتهم ويخسرون فرصتهم في متابعة النضال، بأوجهه كافة، هذا اضافة الى العمل على حماية حزبهم الذي يحيط به أعداؤه من كل فجٍّ عميق. من غرائب هذه التَّفريخات أن تقوم أقلية قطرية في الحزب، بمحاكمة أكثرية في قطرها!. والأشد غرابة أن تقوم بمحاكمة القيادة القومية، وتصدر بحقهما قرارات تخوين وفصل وإبعاد. يجري ذلك خلافاً لما ينصّ عليه النظام الداخلي الذي أقسموا على احترامه، وصادروا حق المؤتمر القومي ونابوا عنه، الأمر الذي قلبوا فيه مقاييس المبادئ الديموقراطية، وكأنهم أرادوا أن يخضعوا رأي الأكثرية لرأي الأقلية!. أيها الانقلابيون، رأفة بمكاييل المنطق، ورأفة بعقول من يدركون علمية تلك المكاييل، ألم تدركوا حتى الآن أنَّ المؤتمر القومي له وحده الحق بمساءلة ومحاسبة القيادة القومية؟ ألم تدركوا أنَّ المؤتمر القومي، أعطى ثقته الكاملة للقيادة القومية؟ حتى وإن كانت ثقة مشروطة بمسؤوليتها اللاحقة أمامه. انَّ النظام الداخلي، الذي أقسمتم أنكم ستحترمونه، النظام الداخلي، الذي لا يحق لأحد أن يقوم بتعديله سوى المؤتمر القومي. قمتم بتعديله بأقلية هزيلة، وصادرتم بتعسف ارادة الأكثريات في مؤتمرات الأقطار التي محضَّت كل منها ثقتها التامة للقيادة القومية. هذا علماً أنَّ القيادة القومية الحالية لم تتغير، وهي التي أشرفت على تلك المؤتمرات التي لم يصدر عن أيٍّ منها توصية توحي بأنها ترفض وجودها، بأكثر من بضعة أصوات قليلة لا تتجاوز عدد أصابع اليد، ومن منطلقات شخصية سُمح لها أن تبدي رأيها بحرية وشفافية في المؤتمرات الشرعية، ولكنها سقطت أثناء التصويت عليها. من أجل كل ذلك، ولمن منعته نرجسيته بالعودة إلى قراءة النظام الداخلي، أو من وثق بهم من دون نقد أو تمحيص، نعيد قراءة نص المادة 44، من النظام الداخلي: (المادة- 44 - القيادة القومية هي أعلى هيئة قيادية في الحزب في غياب المؤتمر وتتحدد مهامها في مجال الفكر ورسم ستراتيجية نضال الحزب وسياسته القومية والنضال على الساحة الدولية والاشراف على التنظيم القومي دون الدخول في التفاصيل، إلَّا فيما يشكِّل انعاكساً على وحدة الحزب وتمارس المهام الآتية: لقد أعطى النظام الداخلي صلاحية للقيادة القومية في خمسة أبواب، وهي: الأمور التنظيمية، والسياسية، والتوجيهية، والتمثيلية، والثقافية. ولأنَّ ما يزعمه (الصقور) بأنَّ لهم مآخذ تنظيمية على سلوك القيادة القومية، سنركِّز في رسالتنا على أهم نصوص النظام الداخلي المختصة بهذا الشأن. 1- في الأمور التنظيمية: جـ-تنظيم ارتباط الحزبيين خارج الوطن العربي. و- دعوة أي مؤتمر قطر للانعقاد في الموعد والمكان اللذين تحددهما عند الضرورة التي تقتضيها وحدة الحزب وعلى مسؤوليتها اللاحقة في المؤتمر القومي. ح-حل قيادة أي قطر أو فرع اذا وجدت أنَّ المصلحة الحزبية تتطلب ذلك، ودعوة المؤتمر المختص لانتخاب قيادة جديدة خلال شهر من تاريخ الحلّ. ط-تجميد وفصل أي عضو من أعضاء قيادة القطر ويحق للعضو استئناف القرار. ي-البت في طلب قيادة القطر لتجميد أو فصل أي عضو من أعضائها ويحق للعضو ولقيادة القطر استئناف القرار أمام المؤتمر القومي. ك-الاشراف على الانتخابات الحزبية في المنظمات. ل-تجريد أو تجميد واقتراح فصل أي عضو من أعضاء القيادة القومية بثلثَيّ أصوات أعضائها واحالة قرار التجميد واقتراح الفصل للمؤتمر القومي للبت فيه. م-النظر في الاستئنافات التي يقدمها أي عضو من أعضاء الحزب قررت القيادة المختصة فصله من الحزب. ن-...........وحق حل القيادات القائمة بسبب خروجها على مبادئ الحزب أو سياسته العامة، أو تمردها على مقررات القيادة القومية........ وفوق هذا وذاك، وإذا كان هناك اختلاف في تفسير أحكام النظام الداخلي، فقد محض أعلى مؤتمر في الحزب، الثقة للقيادة القومية في التفسير وليس لأحد غيرها. وعن ذلك، فقد نصت المادة/ 78/في الفقرة (1) على ما يلي: (القيادة القومية هي المرجع الأخير في تفسير أحكام هذا النظام وعلى مسؤوليتها اللاحقة أمام المؤتمر القومي). ليس فيما سقناه من نصوص تنظيمية أي لبس أو غموض، بل هي واضحة تماماً، فمن يريد أن يتفهَّم فعليه أن يتحمل مسؤولية القصور في وعيه، ومن لا يريد فهذا شأنه. خاصة أن النظام الداخلي نفسه، أقرَّ بحق من يريد أن يخرج من الحزب، حق مشروط بالمحافظة على أسرار الحزب، ولأنه لا محاكم منصوبة لمحاسبة من يحنث بقسمه سوى الوازع الأخلاقي، فإنني أعتقد أنَّ مَن يحنث بقسمه مرة لن يتورَّع عن الحنوث ألف مرة، وهذا ما على الملتحقين بهم أن يدركوا ما سوف يؤول إليه مصيرهم في المستقبل. لعلَّ وعسى يعود (الصقور - التنسيقيون) إلى ضمائرهم، وذلك بأن يدركوا أنَّ استمرارهم على الغي هو جريمة موصوفة، وعن سابق اصرار وتصميم، في أنهم يضيفون لبنة أخرى من مسلسل التآمر على الحزب، وهذا ما لانريده منهم أن يفعلوه. وعليهم أن يدركوا بأنَّ فعلتهم ليست الوحيدة، بل هناك ما قبلها الكثير، وقد يعرف الحزب غيرها. بين عملية التَّكتل الراهنة، وما حصل قبلها، وما قد يحصل بعدها، بقي الحزب صامداً، وسوف يبقى، يملأ فضاؤه سلسلة كبيرة من النضالات المشرِّفة في كل ساحة من ساحات النضال في الوطن العربي، ولعلَّ أكثرها اشراقاً والتهاباً في هذه المرحلة، في كل من العراق وفلسطين والسودان ولبنان. وإنَّ ما يحصل الآن واضح وضوح الشمس لمن يريد أن يرى ويقرأ ويسمع. ولكن في ظل هذه المرحلة العابرة، تبقى أمنياتنا بعودة مَن تخلَّف عن ركب البعث إلى صفوفه بعد أن يدرك كذب ما سِيق من افتراءات وأكاذيب وحجج واهية. وحينذاك سيجد هؤلاء البعثيون حضناً دافئاً من رفاق الدرب الطويل، الذين خاضوا النضال معهم بالدم والروح، ولا يزالون قابضين على جمر المباديء، يَدفعون ويندفعون من دون كلل أو ملل، ومن دون خوف أو رهبة من أحد. لقد تجاوزوا حدود الخوف والرهبة، ولا يزال نبض البعث حارّاً في عروقهم، يقاومون شياطين الأرض الذين تكاثروا لاقتسام أمتكم العربية إلى حصص بعد أن يمنعوا عنها نسيم الوحدة. وهم لا يزالوا يتربصون بها لمحوها عن خرائط الدول الراقية الحرة. وأخيراً، لا بُدَّ من تذكيرهم بأنَّ (شجرة البعث لن تهتزّ أمام تفريخ التكتلات)، لأنها ليست بأقل من وصفها بالعبثية التي ستزول، ويبقى البعث الأصيل أصيلاً.