أخلاقنا الثابتة وأخلاق الغرب الزائفة كثيراً ما نردد بيت شعر لأمير الشعراء أحمد شوقي "إنما الأمم الأخلاق ما بقيت *** فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا. وهذا للتأكيد على أهمية الأخلاق في حضارتنا وتراثنا. وقد اهتمّت مختلف المدارس الفلسفيّة عبر العصور بدراسة الظاهرة الأخلاقية ووضع تعريفٍ وتفسيرٍ لها، كما حَاول الفلاسفة وضع ضوابط وأسُس للقيم الأخلاقية عبر العصور. وتُعرّف الأخلاق على أنّها مجموعة من القواعد والعادات السلوكية، التي يعتنقها ويؤمن بها مجتمع ما، فتغدو مُلزمةً حتميّة لسلوك الأفراد، ومنظِّمة لعلاقات الإنسان بالآخر والمجتمع، وتختلفُ هذه السلوكيات من زمنٍ لآخر ومن مجتمع لآخر. وإذا كانت بعض الشعوب قد تفرّدت ببعض القيم وأصبحت ملازمة لها، حتى لا تكاد تذكر قيمة حتى تذكر مجموعة بشرية أو شعب من الشعوب، فعندما يذكر الكرم يتبادر إلى الذهن العرب، فحاتم الطائي ذبح فرسه لإكرام ضيوفه، وكانت العرب تستهجن البخلاء الذين لا يكرمون وفادة ضيفهم وقد اكتسبوا هذه القيمة من بيئتهم الصحراوية القاسية حتى أن بعض القبائل كانت تشعل نارا ليلا يستدل بها المسافرون. كما عرف العربي بالحمية والوفاء بالعهد لمن عاهده أو استجار به. ولنا في قصة النعمان بن المنذر لما دعاه كسرى الفرس وكان عارفا بنهايته فأتى رجلا من قبيلة بكر يدعى هاني بن مسعود ليستجير به وقال له «ما أفعل بحرمي؟» قال هاني: «هنَّ في ذمتي لا يخلص إليهنّ حتى يخلص إلى بناتي". كما استودعه ماله وبعد مقتل النعمان بعث كسرى يطلب حريم النعمان وماله فأبى هاني بن مسعود أن يفعل وفاء للمعهد الذي قطعه للنعمان فانتقم كسرى من قبيلته بكر بن وائل وشردهم. وتبقى بعض القيم نسبية وبعضها كونية. ولكن هذه القيم لا قيمة لها لدى الغرب إذ لديه قيمه وأخلاقه التي اكتسبها من بيئته وطبيعة العلاقات التي تحكم مجتمعاته. ومع تطور المجتمعات تبعا لتطور واقعه الاقتصادي اكتسب قيما جديدة كالحرية والديمقراطية والمساواة وغيرها التي أرستها الثورة الفرنسية ولم تعد لقيم الكرم والوفاء والشهامة أي معنى لدى المجتمعات الغربية. وقد عمل الغرب الذي اكتسب القوة بعد التطور الذي عرفه نتيجة الثورة الصناعية والتكنولوجية على فرض قيمه على الشعوب " المتخلفة " من خلال الاستعمار. فأباد الهنود الحمر ونقل الأفارقة السود إلى العالم الجديد وتاجر بهم باسم التقدم ورسالة الرجل الأبيض لتطور الشعوب. كما تأثرت الشعوب المغلوبة بقيم الغرب واعتنقتها باعتبارها قيما كونية ارتبطت بحقوق الإنسان. لكن ممارسات الغرب برهنت على زيف وكذب قيمه حيث أن الحرية والمساواة والعدالة تظل حكرا على مجتمعاته ولا يطبقها حتى على الشعوب من أصول غير الغربية فالسود في الغرب لا يتمتعون بنفس حقوق البيض ولا على المهاجرين من باقي دول العالم. كما أن الغرب الذي يدعم ويساند الكيان الصهيوني باسم الحرية والديمقراطية على اساس أن " إسرائيل" واحة للديمقراطية في محيط للاستبداد والتخلف ويحجب عن الفلسطيني والعربي حقوقه باسم هذه القيم. كما كشفت حرب روسيا على أوكرانيا زيف ادعاءات الغرب وكذبه وبطلان قيمه التي أصبحت بلا قيمة على اعتبار أن القيم التي تتهم روسيا بانتهاكها في حق الاوكرانيين لم تحترمها دول الغرب وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية عندما أقدمت على غزو العراق وأطاحت بنظامه وقتلت ورملت ويتمت الآلاف وشردت الملايين باسم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وكأن هذه القيم تخص البعض دون البعض ومن حق الأوكرانيين دون العراقيين والفلسطينيين والسوريين وغيرهم. أي هي قيم أبدعها الغرب لشعوبه وليس من حق الشعوب غير الغربية أن تتمتع بها. وبذلك تصبح القيم التي نؤمن بها من كرم ووفاء وشهامة قيما ثابتة وان كانت نسبية نتيجة تلوث مجتمعاتنا بتأثيرات القيم الغربية وتظل قيم الغرب قيم استهلاكية تصلح بالبعض دون البعض وغير صالحة لكل زمان ومكان. عبد العزيز بوعزي- القصرين/ تونس 2022