لكل شعب وأمة في العالم قيم وتقاليد وأخلاقيات عامة، تعتبر بمثابة مواثيق اجتماعية يفرضها انتماء ذلك الشعب أو تلك الأمة إلى دين وإيمان وإلى أعراف اجتماعية متداولة وموروثة تنبع من ثنايا الاصالة.ويمكن أن تدخل على المواثيق الاجتماعية تهذيبات وتعديلات تتماهى مع التغيير الطبيعي المصاحب لدوران عجلات الزمن، ويتضمن تعديلات وتغييرات طبيعية ناتجة عن تغيير الأنماط الاقتصادية وانحناءات وانحدارات الحال السياسي وإنتاج حضارات جديدة وانتقالات نحو المدنية والتحضر وغيرها.والطابع الطبيعي أن تحصل هكذا تغييرات بشكل متسلسل غير حاد ودون إقحام ولا إرغام.ما يحصل في العراق منذ سنة الغزو وإلى يومنا هذا ليس فساداً مالياً وإدارياً وسياسياً استوطن الطبقة السياسية وحاشيتها، كما يستوطن السرطان أنسجة الجسد المصاب، بل تعداها إلى فساد أخلاقي ينتشر كما النار في الهشيم، تمثل في مظاهر التخنث واللوطية والمثلية، وانتشار المخدرات والدعارة بكل أنواعها، بعد أن كان العراق قبل الغزو من بين أنظف بلاد العالم من هذه المظاهر الشاذة والمنحرفة.وكل هذه الممارسات قد دخلت مع قوات الغزو كجزء من أجندات تسقيط المجتمع العراقي وتخريب وتقطيع أنسجته الأخلاقية، وقد شاهدناها بأم أعيننا تظهر بلا مقدمات وبلا حسابات لأي ردة فعل حادة غاضبة، وشاهدناها تتوسع وكأنها كبت انطلق من قيوده أو عطش فاض من حوله الماء أو عوز كعوز مجتمعنا المحاصر بحصار ظالم دام أربعة عشر سنة إلى الدواء والغذاء والأمن والعلم والحرية التي قيدتها أسوار الحصار المجرم.إن استهداف مجتمعنا بأخلاقياته وثوابته وإيمانه هو الأخطر من بين مختلف أهداف الغزو والاحتلال المضمومة والمعلنة، ولعل من بين أهم واجبات العراقيين الوطنيين الشرفاء الأحرار مقاتلة ومقاومة الفساد الأخلاقي وعمليات افساد الذوق العام لغة وتصرفاً وأفعالاً منظورة تخدش الحياء العام وترفع من مناسيب الانحلال الأخلاقي الذي تنشره مكائن الغزو.يمكن إعمار الشوارع والمزارع والبيوت والدوائر والمصانع التي خربها الغزاة ومرتزقة الاحتلال في سنوات قصيرة وبجهد الشعب المؤمن المتعاضد المتكاتف الواثق من نفسه وحقوقه المتماسك عبر عرى أخلاقية رصينة راسخة، غير إن تفكك المجتمع وسقوطه في برك ضياع الخصال الإيمانية والأخلاقية فإنه يحتاج إلى معجزات ليعود إلى طبيعته، ويستحيل عليه إصلاح ما خربه الطغاة والمجرمين والغزاة والمرتزقة.الطائفية والمحاصصة والتطرف والغلو وعدم احترام الآخرين وإلغاء التعاطف والتسامح واسقاط الذوق العام في الكلام والتصرف وفقدان الرزانة واعتماد الخفة والجنوح إلى السفاهة وقلة الأدب وتبذير المال في النزوات وإلغاء حق الوطن والعائلة والعشيرة والأمة وتغليب النزوات في عموم العلاقات كلها مؤشرات على فساد الذوق العام والخاص، وعلى مثقفي العراق وقواه السياسية الوطنية والقومية أن تقف في وجهها وتقاومها لأنها إسقاط لشخصيتنا الاجتماعية التي وسمتنا عبر العصور والأزمنة.