منذ أن اجتمع الشرق والغرب على النيل من أمة العرب وتحديداً مع بدء انهيار الدولة العثمانية ثم جلائها الكامل عن الأراضي العربية من المحيط إلى الخليج، وحيث شرعت قوى الاستعمار والرأسمالية العالمية بتنفيذ أجنداتها المخبأة تجاه العرب وتجسيدها على أرض الواقع من خلال رزمة مشاريعها التفتيتية التي سعت من خلالها إلى تقسيم الوطن العربي إلى أجزاء متناثرة يسهل معها السيطرة على مواردها وخيراتها ومصادر قوتها.وقد ترجمت هذه الأفكار خلال مؤتمرات دولية أنتجت العديد من الأوراق والاتفاقات ومنها ورقة كامبل واتفاقات سان ريمو وسايكس بيكو التي أكدت جميعها على ضرورة تفتيت وتقسيم الوطن العربي إلى أقطار ضعيفة تخضع لما سموه انتداب القوى الغربية وخصوصاً بريطانيا وفرنسا وإيطاليا التي استعمرت البلاد العربية وعمدت إلى قتل الأحرار فيها ومطاردتهم والحؤول تالياً دون تحررها ونهوضها، بل ذهبت بريطانيا إلى أبعد من ذلك حين أعطت فلسطين للعصابات الصهيونية لتكون قاعدة عسكرية غربية في قلب الوطن العربي تعمل باستمرار على شله وإيقاف عجلة تقدمه ونهوضه.وأثناء الحكم العسكري المباشر لقوى الاستعمار الغربي على البلاد العربية عبر ما يسمى الانتداب، عمدت تلك القوى وبالتوازي مع صناعة ما يسمى ( إسرائيل ) إلى خلق شريحة برجوازية مجتمعية محلية ترتبط مصالحها عضوياً بالوجود الصهيوني في فلسطين والمصالح الاستعمارية في الوطن العربي تكون امتداداً طبيعياً وعضوياً للقوى المعادية وتشكل عائقاً حقيقياً أمام وحدة الأمة وتحفزها للنهوض والتحرر والانعتاق من نير التبعية العمياء للقوى الغربية الإمبريالية، وقد سيطرت هذه الشريحة على معظم البلاد العربية على شكل ممالك وراثية وإمارات تتبع أمراء، وحكومات دكتاتورية صادرت الحريات ومارست القمع ضد مواطنيها، وأغرقت البلاد في بحور الجهل والضعف والدم والفتن، وأمعنت فيها الخراب بما يخدم تالياً المشروع الإمبريالي الصهيوني في المنطقة ويجعل من تلك الطبقة الحاكمة ضلعاً أساسياً في الثالوث المعادي لأماني الأمة وتطلعاتها في النهوض والتحرر والوحدة والتقدم والرقي والازدهار .. الثالوث الإمبريالي الصهيوني الرجعي المطبق على صدر أمتنا ويصادر حقها في الحياة وحقها في ثرواتها واستغلال إمكاناتها الهائلة.ولأن مصالح الحكام العرب ارتبطت بشكل وثيق بالمصالح الإمبريالية والصهيونية فإنك تجدها تقف بكل قوة ضد القوى الوطنية والقومية والتقدمية التحررية التي تسعى بكل تلك التضحيات نحو قيم الحرية والوحدة والتحرير وتخليص الوطن العربي من أخطبوط الثالوث المعادي، وإطلاق إمكانات الأمة الكامنة والتي تمكنها من دحر كل المخططات المعادية والسير قدماً بمسيرة الأمة نحو الاقتدار والعلياء مكانها الطبيعي بين الأمم وبما يليق بماضيها التليد وتاريخها المجيد وحاضرها المخضب بدماء الأحرار الأطهار والذي سيزهر نصراً مؤزراً عما قريب يتيح للأمة تقرير مصيرها وحماية مستقبل أبنائها وأجيالها القادمة.إذاً فإننا نستطيع القول هنا أن النضال في سبيل الحرية والديمقراطية ودحر القوى الرجعية البرجوازية والاحتلال الصهيوني يقودنا بكل تأكيد نحو الوحدة العربية، صمام الأمان الناظم لقوتنا واقتدارنا في كل المجالات والميادين وبما يكفل تحرير كافة الأجزاء المغتصبة وفي مقدمتها فلسطين والأحواز العربية والتصدي لكل الأطماع الاستعمارية المحيطة واستنهاض طاقات الأمة بما يفيد في تمكينها من استعادة دورها الحضاري والريادي وبناء دولتها الواحدة من المحيط إلى الخليج على أسس من الحرية والديمقراطية وقيم العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص وتحقيق كامل أهدافها السامية في الوحدة والحرية والاشتراكية.