حاولت إيران منذ احتلالها للعراق على استهداف الانتماء القومي، مقدمة لإستهداف الهوية الوطنية العراقية وتمزيقها لإدخال العراق في غياهب "الإمبراطورية الفارسية الوهم"، دون أي أمل في الخروج من هذا المجهول الذي ضاق أكثر فأكثر في السنوات الأخيرة على كل عراقي يتمسك بهويته وسيادته واستقلاله وكرامته وعروبته.جاءت ثورة شباب العراق المطالبة بتحرير الأرض والسماء العراقية من دنس المجوس، لتؤسس لمسار جديد يؤكد قومية المعركة وقومية الاتجاه وقومية الشعور، وهو يعاكس ما سعت إليه إيران منذ احتلال العراق، ولأن شعار العروبة والوطنية يلغي كل الانتماءات المذهبية والعرقية والدينية والمناطقية، ولأن الابتعاد عن الانتماء القومي ليس هو الحل لمشاكل الأمة، بل إن الانتماء العميق للقومية هو الحل الوحيد، فكما قيل" الحل في العروبة والحل عند العروبة".لا تستطيع قوة في الأرض أن تقطع صلة الانتماء والارتباط بالهوية الوطنية والقومية، أو تحاول إلغاء أحاسيس التفاعل بين أبناء الثقافة الواحدة والتاريخ الواحد والمصير المشترك، لأن قوة الانتماء تكمن في قوة الإرادة، وقوة التحدي لأي مشروع يستهدف شطب أو إلغاء الهوية الوطنية أو القومية.إن ما يواجهه العراق اليوم، هو حلقة من سلسلة حلقات المؤامرة المستمرة منذ سنوات طويلة، لسلخه عن الأمة وتدمير الروح الوطنية والقومية بين أبنائه، واستبدالها بالروح الطائفية الضيقة، ما يثبت العداء الكبير الذي يضمره الأعداء، كالإمبريالية العالمية والصهيونية والأحقاد الفارسية، التي تتجدد كلما توفرت لها البيئة المناسبة.إن العراق بما يمتلك من عنفوان الشباب والإرادة الصلبة والعزيمة القوية وهو يواجه هذه المؤامرة قادر على تجاوزها، بما يمتلك من مقومات وقوى كامنة في شبابه، فالانتفاضة التشرينية أنتجت مفهوماً مختلفاً لكل المفاهيم التي سادت لسنوات طويلة في العراق، فالوطن أصبح عند الشباب العراقي هو الأولوية التي تستحق من الجميع التضحية في سبيلها، وفي المقابل فقد انتفت وزالت إلى غير رجعة الدعوات الضيقة التي كانت تحجم قوة الشباب في إطارٍ مناطقي مذهبي ضيق.لقد دفع الشعب العراقي الكثير من أثمان هذه الدعوات والممارسات الضيقة، وكان العراقيون أكبر الخاسرين من سلطة الولي الفقيه وأذنابه، الذي حاول خلال الثمانية عشر سنة أن يلغي الانتماء الوطني والقومي لدى أبناء العراق، فتوهم أنه قد نجح في ذلك، ولكن ما أفرزته ثورة تشرين المباركة وعززته باستمرارها، أكد بما لا يدع مجالاً للشك أن الانتماء للعراق والأمة هو في حقيقته "من الجينات المتوارثة في الشعب العراقي"، فقد تختفي لفترة معينة لكنها سرعان ما تعود وبقوة إلى الواجهة.مع إطلالة كل يوم من أيام الثورة نقرأ المعنى العميق والمهم والمصيري بين النضال من أجل الوطن واستعادته إلى مكانته الطبيعية، وبين ضرورة استمرار النضال حتى إفشال كل المخططات التي تحاك ضد العراق وشعبه.إن المُطالب من الشعب العراقي بكل أطيافه أن يقفوا وبشكل موحد مع شباب العراق في ثورته ورغبته الأكيدة في استعادة الهوية الوطنية والقومية، التي بقيت في "الظل" لسنوات طويلة مضت، لأن التغلب على التحديات التي تواجه العراق الآن سيتبعها حتماً تجاوز كل التحديات التي تواجه الأمة، لأن العراق هو صمام الأمان الوحيد، والقلعة التي تتحطم عليها كل غطرسات الفرس وأحقادهم.إن شباب العراق بثورته المباركة، قد برز كقوة إنقاذ للأمة، عبر مشروع نضالي عروبي يضم بين جناحي مشروعه القومي كل طاقات القومية العربية التي بدأت تتفجر في الأمة، فذلك مرده إلى الفكر الذي ينتمي له هذا الشباب الثائر، والمؤهل نضالياً لحمل مشروع الأمة القومي والحضاري في مواجهة أعداء القومية والعروبة.إن المطلوب اليوم هو النهوض بفكر الأمة المتمثل بالبعث، واستنهاض برامج عمل للدفاع عن قضايا المواطن والوطن والأمة، وفي قَسَمِنا الحزبي دعوة صريحة واضحة للسعي جاهدين لتحقيق الأهداف الموسومة في ذاكرتنا، لتوحيد الأحرار ضمن وحدة الشعب العظيم، لذلك فمن واجب كل بعثي في هذا الظرف الحاسم من تاريخ الأمة أن ينصب نفسه مدافعاً عن قضايا الأمة والوطن ضد العدو الداخلي والخارجي، والوقوف بجانب كل من يحمل هموم الأمة، ولا سيما الشرفاء الذين يقدمون أروع التضحيات في سبيل الخلاص من الاحتلال والتبعية، ولا سيما أن ما يهدد العراق، هو نفسه الذي يهدد سوريا ولبنان واليمن والجزيرة العربية وليبيا والمغرب العربي والسودان.يجب علينا إعادة بوصلة نضال الأمة التي ضاعت في لحظة ما من لحظات الغفلة، بعد أن أضاع بعض العرب هويتهم الموحدة.رغم حلكة الزمن سنبقى نحلم بغدٍ أفضل لأمةٍ هي خير الأمم، لأن ما زال في هذه الأمة شباب يحبون وطنهم وأرضهم، ويقدمون أرواحهم رخيصة في سبيله، ولأنهم أيضاً يعشقون الحياة، ويزرعون المحبة، وهؤلاء هم الرهان، ورغم كل الحزن والألم ورغم كل التآمر ورغم إرهابهم، وبفضل صمود وتضحيات شباب الأمة وثوارها، سنتجاوز هذه المحن ونصنع غدنا المأمول.ورغم كل الانكسار والاختراق يبقى الأمل مُنْبَعِثاً من صدور الشباب السلميين، لأنهم حماة الوطن الحقيقيين، الذين يقدمون أروع ملاحم البطولة والتضحية، ولأنهم لا يعرفون إلا لغة العطاء، لأن مخزون الحب لديهم كبير، يستطيع أن يصنع المعجزات، وأن ينقذ وطننا وأجيالنا القادمة، وتجنيب الأمة ضرر قطعان مغول وتتار العصر الحديث، من فرس وصهاينة، فالوطن بخير، لأن إنسانه بكل هذا الكبرياء والعزة والكرامة.تحية لثوار العراق والسودان الشرفاء الذين بعثوا فينا من جديد، الإيمان بهوية وعروبة الأمة.