لا شك أن العنوان الذي وضعناه لا يمكن تغطيته بمقال قصير بل يحتاج إلى بحوث ودراسات تجريها فرق متخصصة في الصناعة والزراعة والتعليم والصحة والاقتصاد والسياسة، وفوق هذا وأهم منه أن تكون عندنا نحن العرب القدرة على تحويل المكتوب والمنتج المعملي إلى فعل على الأرض في كل مناحي الحياة وروافدها.لقد وصلنا إلى مرحلة التخمة من الكلام والتنظير والفلسفة، فنحن لسنا بعوز ولا نقص لهما وتغيير واقعنا المتردي يحتاج إلى تطبيقات ميدانية، إنه يحتاج إلى ثورة علمية وتكنولوجية.أول متطلبات هذه الثورة هي حاجتنا الملحة إلى إنهاء أمية الإنسان وجهله وتخلفه العلمي، فإنتاج الفكر والنظريات المجردة لن تؤدي في وضعنا الراهن إلا في زيادة الفجوة وهي سحيقة فعلاً الآن بين سواد العرب وبين نخب سلاحها بيع الكلام فقط لا غير، النهضة الشاملة تحتاج إلى الأمة بكامل أبنائها وبكامل طاقاتهم.نحتاج إلى بناء مدارس في كل مكان ومعلمين ومدرسين يعلمون شعبنا الحرف وأساسيات الثقافة ومكونات التطور وجامعات رصينة تديرها الدولة وتغدق فيها العطاء لعلمائها من الباحثين والمخترعين.نحتاج مصانع لا تنتج التكنولوجيا فقط بل تحول اختراعات واكتشافات وبحوث علمائنا إلى أدوات إنتاج وتقنيات وقوالب صناعية، وفي ذات الوقت أن تكون لدينا مزارع ومشاريع استصلاح أرض وري ومكننة ومكافحة وصناعات تحويلية تحول الطماطم إلى معجون وقصب السكر إلى سكر والعنب والثوم والبصل إلى أدوية ومضادات وعقاقير.النهضة العربية تحتاج إلى اقتصاد يتبنى كل نظريات الاقتصاد في العالم لكي يقنع كل الاقتصاديين والمستثمرين بأن أهواء السياسة قد قبرت وأن الدولة جزء من العام والخاص، وأن العام والخاص جزء من الدولة، والنظام السياسي الرصين المستقر الآمن لا يتشكل إلا بإنهاء الأمية وتعليم الإنسان ما له وما عليه، وتكرس في ذاته احترامها ومحبة الإنسانية ورؤية جمالها وعظمة خلقها.نهضة أمتنا تحتاج إلى الانقضاض على الفقر ووضع ثروات الأمة في خطين متوازيين : إشباع الجياع والفقراء جسدياً وعقلياً من جهة وفي ردم الفجوة التقنية والتكنولوجية والصناعية بيننا وبين العالم من الجهة الثانية.الخطة الأساسية التي على العرب تبنيها للنهوض والخروج من مأزقهم يجب أن تتضمن بناء الإنسان ضمن إطار زمني محدد وضمان ديمومة التنمية البشرية بكل فروعها في نفس الوقت.نهضة أمتنا لا تتم إلا بالانتماء الحقيقي إلى مضمون ومفهوم وعمق الفكر الذي أنتج الرسالة الخالدة والتي انبثقت من تجربة العرب الحضارية وارثهم التليد الذي حقق وحدة الأمة وأوصل اشراقات نورها إلى كل بقاع الأرض.لا تنهض الأمم بمعاهد سفسطة ولا جامعات تنتج الأمية وتبيع العلم مقابل ثمن، والمستفيدون لا يستفيدون فعلاً إلا مظهرياً ونحن عدونا الأعظم هو المظاهر الفارغة والانتماءات الهشة التي فرضت علينا لكي نبقى متخلفين نقتل بعضنا ونتاجر بالسلاح المصنوع خارج حدودنا ونأكل مما تنتجه الأمم الأخرى.