بمنتهى الصراحة ،وبالفم الملآن ، لا يجد المحايد في هذا البلد اية مبررات تدفعه للوقوف مع هذا الطرف السياسي الحاكم او ذاك ،وكلاهما اصبحا مدانان من قبل الشعب اللبناني الذي خرج على كل الطبقة السياسية اللبنانية الحاكمة يوم السابع عشر من شهر تشرين مرددا : كلُن يعني كلُن.بصراحة متناهية ايضاً يصح القول ان المسألة ليست في مدى صحة الكلام الصادر عن هذا او ذاك الآخر ايضاً ،انما المواطن ضائعُ بين موقفين متضادين ،وحائر في ايهما الصادق ،ومن الذي يكذب ويضلل الناس ،ويبدو ان كل طرف ما زال يتوجه بخطابه الى ( رعيته ) او بالاحرى طائفته وابناء ملّته ،ولم يعد خطابه بمستوى الوطن ،وكأن كل منهما يقول لجماعته : ها انا صامد حتى آخر نفس الى حين تحصيل حقوقكم واستعادة الصلاحيات التي كانت لطائفتكم يوماً ما ،ثم انتزعها مؤتمر الطائف منكم وعلى حين غفلة ،بينما يتوجه الآخر الى ( ربعه ) ليؤكد انه لم يعد القائد ( الرخو ) الذي عهدتموه وقد صلب عوده ،وها هو يعمل على استرجاع ما فقده طيلة السنوات الماضية من شعبية وجماهيرية ،اضاعها على حين غفلة ايضاً وسؤ تدبير وخبرة لم تكتمل.كلا الاثنان يتشبثان بمواقف متشنجة لا تخدم سوى مصالحهما معاً وتخرجهما من وضعٍ مأزوم لا يُحسَدان عليه،اما البلد فهو في آخر اهتماماتهما،ولم يعد يهمهما الى اي درك من الانهيار سيكون عليه ،طالما الشعب يشتم الطرفين وكل من يؤيدهما على هذا الجانب والآخر،فيما كل طرف يرمي بالمسؤولية على خصمه ،ويقنع بيئته الحاضنة انه هو ،هو ،الذي على حق والآخر هو الذي يكذب على الناس. .. وبعد ، كل الاسقاطات السياسية و عبارات الترميز والاشارات لم تعد تنفع ،فيماالغسيل الوسخ للطبقة السياسية لا يبارح حبال الاعلام المرئي والمكتوب والمسموع ،فقالوا في بعضهم ما لم يسبقهم اليه احد من سقط الكلام ،وتفاهة المواقف ،ونذالة النوايا ،ليس بينهم الاب الصالح ولا الاخ الحنون وانما كلهم في خانة الابن الضال.في كل دول العالم يعمل السياسي على الخروج من محيط دائرته الصغرى الى الرحاب الاوسع دائرة الوطن وإن فشل في ذلك يتجه للاعتزال ، الا في لبنان ،فكل من يسعى الى دائرة الوطن الكبير ويفشل ،لا يرى امامه سوى التوجه نحو المستنقع حيث يعمل على ايجاد ضالة طموحه في الطائفة والمذهب ولسان الحال يقول اذا تعذر عليك ان تكون قائداً وطنياً فليس عليك سوى الحظيرة وتصليب خطابك الطائفي والمذهبي لتحجز لك مكاناً في مستنقعها.كلهم يدّعون امومة الوطن ولو كانوا صادقين ،لما توافقوا جميعهم على تقطيعه كما يفعلون اليوم ،ولماذا؟لانه ليس بينهم الام الحقيقية التي تقول لهم توقفوا !خذوه !ولكن لا تقطّعوه ،كما فعلت الام الحقيقية التي نازعتها امُ مزيفة على وليدها امام سليمان الحكيم.كلهم مدانون وقد تمادوا في تدمير البلاد وإفقار العباد والهبوط في سمعة البلد الى أسوأ ما تكون عليه الانظمة الفاشلة فلم يتركوا صديقاً يفتح لهم صدره ،واكثروا من خصومهم حتى تحولوا الى عناوين صارخة مكروهة من الداخل والخارج ،وصدق فيهم القول : لا تكن ليّناً فتُلوى ،ولا قاسياً فتُكسَر ،وها هم يوزعون الادوار فيما بينهم فخسروا الليونة والقسوة معا لينتهوا الى مزبلة التاريخ عاجلاً ام آجلاً.