هل حاكم مصرف لبنان حراميُ بالشكل الذي اَفْقَرَ دولةً باكملها،ام انه كبش محرقة مطلوبٌ تقديمه على مذبح المصالح العليا للطبقة السياسية الفاسدة التي تعمل على التخلّص منه تبييضاً لحاضرها الوسخ وماضيها النتن وغسل ايديها من كل ما اوصلت اليه البلاد من انهيارات مالية واقتصادية،وهل القضاء السويسري جادٌ في التحقيق مع الحاكم بشفافية مطلقة تضئ على الاقل ،على جريمة تهريب مليارات الدولارات الى الخارج والبدء بالاجراءات اللازمة لاستردادها ،ولو شكلّ ذلك الخطوة الاولى في مسيرة الالف ميل المطلوب القيام بها،ام انه واهمٌ ،وواهمُ جداً الى درجة السذاجة من يعتقد ان التحقيق المنوي اجراءه في الدولة السويسرية مع حاكم المصرف ،سيؤدي الى نتيجة،لا سيّما وان الاخير هو الذي في مفاضلته بين المثول للقضاء اللبناني والقضاء السويسري ،رفض قضاء موطنه على الفور ،وكأنه يومئ بذلك علناً وبدون مواربة ،انه لا يثق بهذا القضاء ،واذا كان لديه ما يقوله ،فسيقوله امام السويسريين وليس امام ابناء بلده ،وتلك بحد ذاتها اهانة متعمدة وعن سابق تصوُر وتصميم للقضاء اللبناني لا يجوز مطلقاً السكوت عنها كما جرى السكوت عن ممارسات الحاكم وتجاوزاته واجرامه بحق مدّخرات اللبنانيين والتفريط بجنى عمرهم.لمواكبة الجدل اللبناني الداخلي الصاخب هذه الايام حول ما يتعلق بحاكم مصرف لبنان ،بين مؤيد لمحاكمته ومعارض لها،لا يمكن لمن يتابع ما يحصل ،الا ويُصاب بالغثيان وهو يرى : - فريقاً يعتبر ان "كل ما يتم التداول به حول هذه المسألة هو مضخّم ومفبرك ويهدف بشكل ممنهج الى ضرب "صورة المصرف المركزي والحاكم"في تبنٍ واضح لمنطق الحاكم و ( البروباغندا ) العاملة على خطه وسياسته عبر اكثر من وسيلة اعلامية كبرى ومواقع تواصل اجتماعي،ويذهب هذا الفريق بعيداً في موقفه لدرجة تحذيره من ان اي إبعاد للحاكم سيؤدي الى"انهيار"ما تبقى للدولة من مؤسسات وان "الآتي"هو الاعظم والاخطر. - وفريقاً آخر يرى ان "الفرصة"قد ازفت للتخلٌص من الحاكم حيث ان ( ايامه ) قد انتهت بعد ان ضاقت امامه كل الفرص وبات"يصعب فصل الموضوع بتوقيته عن السياق السياسي"ويضيف اصحاب هذا الموقف بالاشارة الى ان "الفرنسيين سبق ان طرحوا ضرورة اقالة سلامة واجراء التحقيق في حسابات مصرف لبنان،الا انهم ووجهوا حينها بحماية سياسية اميركية لرجل واشنطن في القطاع المصرفي ".امام هذه "ال "وجهة نظر وتلك واللتان في جوهرهما ليستا سوى الصدى "الممجوج"للسجال الانقسامي الحاد الدائر في البلاد ،والتراشق الاعلامي المتبادل حول من يتحمل الانهيار الحاصل باوجهه المتعددة لا سيّما الاقتصادية والمالية والاجتماعية وآخرها التعطيل غير المسبوق للحياة السياسية الداخلية وانتزاع كل ما يتعلق باحيائها من اخلاق وتقاليد ،ينبري رأيٌ آخر يتصف بحياديةٌ ما، تقتضيها الدقة والحساسية الداخلية المتعلقة بهذا الموضوع فيرى : - ان ما سوف يجري في سويسرا لن يكون نزهةً استناداً الى ان ما في هذا البلد الاوروبي المحايد من النزاهة والقضاء المستقل ،ما سيجعل كل اطراف اللعبة الداخلية في "دائرة الضوء"،وان ما سوف يصدر عن التحقيق مع الحاكم ،اياً تكن النتائج،سيشكل اللبنة الاولى للاستدلال على الحقيقة المغيّبة عن اللبنانيين طوال عقودّ متوالية من السنين حيث ان التحقيقات مع سلامة ستجري بشفافية وسرية مطلقةوما يشفع انه سيتاح له الدفاع عن سياساته المالية ولا سيما التهمة الاخيرة بتحويل اربع مائة مليون دولار الى المصارف السويسرية وتقديم كل القرائن والادلة التي تمنع عنه الادانة.انه قدر اللبنانيين وسوء طالعهم الدائم ان لا تصيبهم الازمات المصيرية الا عبر الخارج فيتلقفها ويتبناها بعض من في الداخل ،فهل نتوقع غداً بصيص امل قادمٌ الينا من سويسرا،ام ان خيبة امل اخرى ستواجهنا من جديد ،ونبقى ندور حول حقائق مغيّبة عن حاضرنا ومستقبلنا ،فلا نجد ما يُطَمْئن.