الكثير من الانجازات ترتبط بأسماء وعناوين من كان له الفعل المؤثر في تحقيقها لتبقى محفوظة في ملفاته مهما كان عديد السنين الفائتة عليها.هنا أورد إحداها لأحدثكم عن دور المهندس القدير إسماعيل جميل بابان في إنجاز إحدى المشاريع الشاخصة، إلى يومنا هذا، وهو مشروع إنارة ضفاف نهر دجلة الخالد داخل العاصمة بغداد.في تسعينيات القرن الماضي، وبعد إنجاز مشروع إكساء ضفاف نهر دجلة بالحجز، والذي امتد على النهر داخل حدود العاصمة بغداد، ورد مقترح من مدير إنارة بغداد، كان المهندس جميل بابان قد عرض، حينها، على إدارة الشركة العامة لتوزيع كهرباء بغداد، التي كنت مديرها العام، يتضمن هذا المقترح الشروع بأعمال الإنارة الخاصة بهذه الضفاف حيث تم تخمين الكلفة المطلوبة للتنفيذ، علماً أن هذا المشروع لم يدرج ضمن الخطة الاستثمارية السنوية ولم تخصص المبالغ المخمنة له فيها، رفع المقترح الى وزارة الصناعة والمعادن وجرت إحالته الى هيئة التخطيط وعلى إثر ذلك، جرى استدعائي وزير التخطيط وكان حينها ( الدكتور حسن عبد المنعم الخطاب أمده الله بالصحة والعافية ) طالباً تخفيض المبلغ المخمن ما أمكن وبحدود أعلمني بها عند ذاك سوف يضمن إدراج المشروع بملحق لجدول الخطة الاستثمارية.دعوت المعنيين بالموضوع لحضور اجتماع طارئ خاص عقد في مقر الشركة في منطقة الشورجة، وسط بغداد، ونقلت لهم طلب هيئة التخطيط بضرورة تخفيض المبلغ المخمن لتنفيذ أعمال إنارة الضفاف .. لم يستغرق الاجتماع الوقت الذي كان مخططاً له، بل انتهى عندما حسم الأمر المهندس إسماعيل مدير الانارة ( المعني الأول بالتنفيذ ) بإعلان إمكانية تنفيذ المشروع بقدرات وموارد ذاتية تؤمنها ملاكات الشركة، وحدد لذلك مبالغ محدودة لتأمين بعض متطلبات العمل، وطلب منحه الموافقة على استخدام المواد الموجودة في مخازن الشركة، والتي كانت قد أمنت لمشاريع تم تأجيل تنفيذها لظروف الحصار، التي عطلت الكثير منها في حينها حيث يقع هذا ضمن صلاحيات المدير العام في التصرف بها وعلى وفق تعليمات وحالات محددة .. إثر ذلك تم تخفيض المبلغ بنسبة كبيرة جداً وإعادة عرضه على هيئة التخطيط ثانية حيث كان متواضعاً أمام حجم المشروع، الذي يتطلب توفير المئات من أعمدة الإنارة وملحقاتها من تراكيب ومواد مختلفة أخرى، حصلت الموافقة وتمت المباشرة بالعمل وانجازه بوقت قياسي وبمستوى تنفيذ متقدم حيث بذلت جهود استثنائية مكثفة لا تعرف الكلل.بعد إتمام المشروع وتشغيله بنجاح، كان لي لقاءً مع وزير التخطيط فسألني مبتسماً، كعادته، عن كيفية إنجازنا المشروع بالتخصيصات المتواضعة، التي رصدت له .. أجبته : ( تمت معالجة ذلك بطرق فنية وإدارية مبتكرة من دون التجاوز على الصلاحيات ) فعزز ابتسامته مباركاً لنا إتمام المشروع.هكذا أضيفت لليالي بغداد إضاءة رائعة وبصمة كهربائية فنية لتعزز روعة جمالها.