منذ ما يقارب قرن من الزمن نشط في الوطن العربي، مشرقه ومغربه، أحزاب وحركات وجبهات وطنية وقومية رفعت وتبنت شعار الوحدة والتحرير والعدالة الاجتماعية ومحاربة الاستعمار ومقارعة الرجعية التي ابتليت بها الأمة، غير أنها لم تستطع تحقيق وحدة أو اتحاد بين قطريين عربيين سوى في فترات زمنية قصيرة سرعان ما انتهت وعاد كل حزب أو نظام إلى موقعه القطري بتبريرات داخلية أو خارجية أو تآمر عدواني، ومازالت هذه الحالة في تاريخنا الحاضر، نحلم بوحدة عربية تعز الأمة في حاضرها ومستقبلها والأمل بتحقيقها، والواقع يقودنا أن من رفع شعار الوحدة أو دعا إليها إما لا يؤمن بها حقيقة أو غير جاد لتحقيقها أو واجهتها مشاكل ومصاعب وتآمر يمنع تحقيقها، مع أن أمتنا تمتلك مقومات وعوامل الوحدة لا تمتلكها أمم مثلها في تاريخنا الحاضر، كاللغة والتاريخ والمصالح المشتركة وطبيعة امتداد جغرافي وسكاني لا يفصلهما حاجز طبيعي يعمل على عدم وحدتها جغرافياً وبشرياً. لذا لابد من عدم فقدان الأمل الذي عملت وضحت من أجله أحزاب وحركات وأنظمة سياسية تؤمن بالوحدة والتحرر ومقارعة الاستعمار والتجزئة والتبعية للأجنبي، ولما يمتلكه المثقفون العرب في أقطار الأمة من ثقافة عالية ووعي وجداني ممن يؤمنون بوحدة الأمة تفعيل جهودهم كعامل مساعد مساند لهذا الأمل الوحدوي كونهم قادةً في الفكر العروبي بإبداعاتهم ونشاطاتهم والتركيز على هذا الهدف من خلال توعية أبناء الشعب العربي من محيطه إلى خليجه لإحداث وعي عروبي عالي يمكنه تحقيق وحدة عربية شعبية تكون عامل ضغط على الأنظمة القطرية وأحزابها التي أدت إلى ضعف الأمة أمام الأعداء. وقد أثبتت التجربة أن وحدة الأنظمة العربية السياسية التي تحققت لظروف معينة باتفاقات بين رؤساء الدول فشلت وانتهت لفقدان استنادها على قاعدة عمل شعبي وحدوي جماهيري، فالمثقفون العرب عنصر فاعل في مجتمعنا العربي في تجديد حركتهم الثقافية التوعوية الثورية وخطاب عروبي يخلق ضغطاً جماهيرياً، فالشعب العربي مهدد في وجوده وقدرته على الاستمرار نحو الأفضل وحالة التفكك والانقسام فيه خاصة في مشرقه، العراق، سوريا، لبنان، فلسطين، ومحاولة أعدائه تغيير ديمغرافيته باحتلال عسكري أو نفوذ من قوى خارجية وتقسيم جديد وسايكس بيكو أكثر سوءاً، وخشية أن تصبح الأمة في خبر كان، لا سمح الله، فإن مهمة المثقفون العرب مع صعوبتها لكنها ستحقق خطوة للأمام عند طرد حالة اليأس وفقدان الأمل من خلال نشاطات منظمة مبرمجة لتقوية رابطة الثقافة العربية والتأكيد عليها في وسائل التواصل الاجتماعي والمنظمات الإنسانية والاجتماعية والمؤتمرات وغيرها لتحفيز جماهير الأمة والدعوة للوحدة التي أساسها وضمانتها وقاعدتها الشعب المؤمن بها لتجاوز القطرية التي أضرت بالأمة حاضرها، وستضرها في مستقبلها، بالحكام المتمترسين بسلطات وامتيازات وثروات شعوبهم. فمهمة تجديد الخطاب العروبي للمثقفين العرب مهمة نبيلة إنسانية لتجاوزها حدود وحواجز مصطنعة لأنظمة قطرية تلوذ بسياسات وتبعيات ذليلة لأعداء الأمة للحفاظ على مكاسبها وسلطاتها، والأمل كل الأمل والضرورة التي ينبغي ألا تفقدها جماهير الأمة ومثقفوها دريئة العرب الأمامية وخط شروعها الأول في عمل نهضوي بهمة عالية وجهاد مقدس مع قوى وطنية وقومية تجديدية فاعلة لتحريك جماهير الأمة نحو حال أفضل وثورة فكرية لتحقيق الوحدة لأنها الخلاص ولا غير.