تشريح العلاقة الأمريكية الإيرانية في العراق، بالمفهوم الطبي العلمي لمعنى التشريح، يفضي إلى إدراك اتفاق تام بين الدولتين على كل ما جرى ويجري منذ بدء عدوان الغزو وإلى هذه اللحظة، والخلاف أو الاختلاف بين البلدين يتمحور حول موضوع واحد لا علاقة له بالعراق قط، بل له علاقة بسياسة عامة للحزب الجمهوري الأمريكي في منطقة ( الشرق الأوسط ) ، ترفض رفضاً قاطعاً امتلاك أي من بلدان المنطقة السلاح النووي، والحزب الديمقراطي لا يختلف طبعاً في هذا الموقف الثابت الاستراتيجي، غير أنه قد يختلف في طريقة التعاطي مع هذا الملف وسبل التفاهم مع إيران بصدده، الذي مسكت به إيران الخمينية لسبب واحد فقط هو إرهاب العرب. الولايات المتحدة الأمريكية بشقيها الديمقراطي والجمهوري لا يهمها أن تكون سلطة الخضراء إيرانية ولا يهمها أن تكون إيران مهيمنة على الشأن العراقي، وقد عرفنا الطرفين متعاونين وجنباً إلى جنب في مرحلة التخطيط لإسقاط النظام الوطني العراقي بالغزو والاحتلال، ولم تبرز أية مشكلة لا عامة ولا حتى جزئية بين البلدين الشريكين باحتلال العراق، بل بالعكس قاتلا داعش ضمن ما يسمى بالتحالف الدولي ( تماماً كما تحالفا في تنفيذ الغزو ) ، وكلاهما يعرف من هي داعش ومن أسسها ولماذا، فسارا معاً للهدف الذي هو ذبح المقاومة العراقية في مدن العراق العصية والثائرة الغربية والشمالية الغربية، ولا نظن أن أميركا لم تكن تدرك أن داعش الإيرانية كانت وسيلة لوضع إيران إلى جانب أميركا في موضوعة محاربة الإرهاب ودلالتها ونتائجها التي خططت لها إيران لمزيد من التسويغ والقبول بنظامها عالمياً. وتبرز الآن وبعد أن استخدمت إدارة ترامب الجمهورية الملف العراقي لمزيد من الضغط على إيران في مفردات الحصار لإرغامها على التخلي أو القبول بالرؤية الأمريكية لبرنامجها النووي الذي اختل ميزان التفاهم عليه بعد خسارة الديمقراطيين للحكم مع نهاية فترة أوباما الرئاسية. نقول مزيداً من الضغط، وليس كل الضغط، لأن الواضح لكل العالم أن الإدارة الأمريكية قد تركت العراق رئة تتنفس من خلالها إيران، لكي لا تموت، فحياة إيران أمر محسوم الأهمية للاستراتيجيات الأمريكية في المنطقة وخاصة في ملفات ومشاهد العلاقة مع العرب. لذلك نقول لكل من يضع الولايات المتحدة الأمريكية وعلاقتها بإيران في الشأن العراقي على أنه أحد منافذ خلاص العراق، على أمل أن تطردها أميركا كما أدخلتها، بأنه على خطأ وضلالة وطيبة مفرطة، فنقطة الخلاف بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران ليست في احتلال إيران وهيمنتها على العراق، بل في تقييد وتحجيم المشروع النووي الإيراني، لأنه يتعارض مع الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، ولا يعني إيران أو يستهدفها لوحدها، بل يعني أية دولة في المنطقة تسير في مشروع نووي كمصر والسعودية وتركيا مثلاً.