عيد يأتي وعيد يذهب .. وفي أي حال جئت يا عيد؟ كثرت الأعياد في العراق، وأحلاها عيد الفطر السعيد، يسعد الناس به بعد شهر يجتهد فيه بالطاعات، ويمنع عنه الطعام والشراب في نهاره، ويمسك الناس ألسنتهم عن الغيبة والنميمة، حتى يأتي يوم الفطر، يفرح به الصائمون لفوزهم بجوائز الصوم الإلهية الكبيرة، ويسعد الأطفال بعيدياتهم التي تملأ جيوبهم، ويسمح لهم بشراء ما لذ وطاب من الأطعمة والمرطبات والمثلجات، والملابس الجديدة التي تم شراؤها لهم من قبل أهليهم. كان "الجوبي"، وهو المكان المخصص لألعاب الأطفال في غابر الزمان، هو الملاذ للجميع، يجتمع فيه أصحاب الألعاب التي تنصب فقط في العيد وأصحاب العربات التي تبيع الأكل والمرطبات والألعاب، والعربات التي تجرها الأحصنة .. وكان الجميع في فرح وسعادة وأمان مطلق، وبعد صرف كل العيديات يعود الأطفال إلى بيوتهم مفلسون، وملابسهم متسخة، إن لم يكن قد قطع من إزرارها شيء أو قطعت من إحدى الجوانب، لتبدأ لحظة أخرى من لحظات العيد في المنزل والتلفزيون إن وجد أو اللعب مع أولاد الجيران .. "الجوبي" الذي ذكرناه قد مر به كل الناس، منهم من أصبح رئيساً أو وزيراً أو قائداً عسكرياً أو طياراً أو ضابطاً أو عاملاً أو طبيباً أو موظفاً كبيراً في الدولة، والكل أكلوا من "العسلية والبادم" والدوندرمة ( الموطا ) أو الأشربة أي العصائر، أو شعر البنات، أي غزل البنات، والجميع لعبوا بألعابه، وعلى رأسها المرجوحة، ودولاب الهواء، أو ركوب العربة التي يجرها الحصان لتدور في شوارع المحلة. لم يكن هناك أي تطور تكنلوجي سوى وجود السيارات والتلفاز، وهي ليست متوفرة للجميع، والتلفون الأرضي بشكل أكثر قلة، ورغم ذلك كانت الاتصالات بين الأهل والأقارب والأصدقاء والجيران لم تنقطع، وكان لها لذة كبيرة باللقاء بعد فراق، لاسيما وأن هذا اللقاء قد جاء بعد انقطاع تام عن رؤية من نحبهم أو الحديث معهم، فسيكون هذا اللقاء أحلى، وكما يقال إن "البعيد عن العين قريب من القلب" .. فتزداد المحبة والألفة بهذه اللقاءات بين الأقارب، وتكون علاقات الجيران أكثر محبة من الأقارب للألفة الكبيرة والمحبة بينهما، وكثرة المصاهرة بين الجيران لقربهم لبعض ولمعرفتهم كل شيء عن الآخر. يا لها من أيام عظيمة حقاً على من عاشها أن يسعد بذكرياتها، فيها الأصالة والطيبة والنوايا الحسنة. نسأل الله في هذه الأيام المباركات أن يحفظ عراقنا وشعبنا، وأن ينصر ثورتنا ضد السلطة الغاشمة المجرمة، وأن يرحم شهداءنا ويشفي جرحانا، وكل عام وأنتم بخير.