استمعت، كما استمع الجميع، لخطاب القائد المجاهد عزة إبراهيم، ذلك النسيم الدافئ في الليل البارد تسلل إلينا ليبث الروح ويبعث فيها الأمل، ذلك الصوت الواثق الذي عرفناه، والذي كثر فيه التشويش السلكي واللاسلكي بسبب الإجراءات الأمنية الصارمة على سلامة حياته وليبقى الشيخ الكبير كبيراً وعصياً على الأعادي والخونة والغادرين. تكلم بثقة تامة، ليست عن أمور شخصية أو مطالب وقتية، أو لمجرد التواجد في السلطة كرقم من الأرقام الكثيرة التي عرفناها اليوم في عراقنا الجريح، بل تكلم عبر واقع أمتنا في المشروع العربي القومي الذي يجمع الأمة العربية في بوتقة الأمن العربي وقوتها وتاريخها وحضارتها المشتركة التي تتميز بها الأمة العربية عن باقي الأمم، والتي فهمها الأعداء قبل الأصدقاء، لهذا خططوا لها منذ الأمد البعيد لما وصلت إليه اليوم من حال سيئة وتفتت وتشتت، والمستمر حتى إسقاط الأمة واحتلالها نفسياً واقتصادياً وداخلياً، لتدمير كل تراثها وحضارتها وتاريخها. العودة إلى المشروع العربي القومي النهضوي هو الحصن الحصين لأمتنا العربية، ولا يعني هذا تفرد البعث به أو طرحه من أجل تسيد الموقف، بل بالعكس، هو يطرح المشروع من أجل الحفاظ على وحدة وقوة الأمة، وتأسيس جبهات نضالية قومية في كل أقطار الوطن العربي من الحركات المؤمنة بالقومية والوحدة العربية مهما كانت مشاربها، الأمر الذي سيؤدي بالتالي إلى نهضة الأمة وازدهارها، وألاَّ تكون لقمة سائغة للمستعمرين كما هو حالها اليوم. البعث وصل إلى أعلى ذروة نضوجه بعد ثلاثة وسبعين عاماً مضين، خاض فيها تجارب نضالية وتجارب حكم وسلطة، وجرت فيها كل الأحداث التي أوصلته إلى ذروة الفكر العربي القومي للأمة، وهو يتبناه اليوم، وهو في مرحلة نضال سلبي ولا يسعى لسلطة أو رئاسة، بل إلى تبني مشروع عربي قومي لمواجهة المشاريع الاستعمارية والمؤامرات ضد الأمة العربية من أجل إضعافها واستغلال ثرواتها الطبيعية والبشرية وتفتيتها وإنهائها إلى الأبد. والبعث لم يكن ظُهوره حاجةً سياسية مرحلية تقليدية، بل هو حزب له رسالة سامية خالدة للأمة العربية بالتطور والتجدد والانبعاث والنهوض الحضاري الإنساني الشامل والعميق للأمة، وهكذا يبقى البعث الرسالي ملبياً لتطلعات الأمة بكلِ عُمقِها وشمولِها وفق ضرورات ومتغيرات العصر. كل التآمر على العراق والأمة العربية وما جرى لها هو من تخطيط وتدبير الاستعمار العالمي، بمشاركة وتنفيذ من المستعمر الفارسي القديم ومن دول الجوار العربية، مع الأسف، بسبب عمالة حكامها وتبعيتهم للاستعمار الغربي وتواطؤهم لإجهاض المشروع العربي القومي خوفاً من إزالة عروشهم وملكهم، حتى فتحت أبواب الجحيم عليهم بإطلاق كلاب العجم لتنهش في أجسادهم الواهنة. من هنا جاءت الحملة المسعورة على البعث العربي لمحاولة تشويه صورته ومشروعه وتحميله مسؤولية ما يحدث في الأمة العربية، وهو الأمر الخاطئ، وليس لعراقي وعربي منصف واعي شريف أن ينكر صدق هذا المشروع والانجازات الكبيرة التي حققها في العراق، لكنه الغل الاستعماري الذي يشاركه الغل الفارسي وربيبتهم الصهيونية، لم ولن ترضَ استمرار هذا المشروع الوحدوي القومي النهضوي لأنه يشكل الخطر الأكبر عليهم، فلا تقعوا في حبال ما تريده منكم إيران والصهيونية والاستعمار الغربي التي ترأسهما أمريكا وبريطانيا. البعث هو الحزب الوحيد من أحزاب الأمة العربية الذي نجح واستمر في مشروعه الرسالي القومي بعد أن سقطت كل الأحزاب الورقية التي تبنت القومية، لكنها انحرفت وانتهت من حيث بدأت، وهو الحزب الوحيد الذي جعل من قضايا الأمة المصيرية قضايا مركزية لمشروعه، وتبناها وتبنى نضالها وجهادها في كل أقطار الوطن العربي من المحيط إلى الخليج. طوبى لبعث الأمة العربية، وهو يتلقى رميه بحجارة الغل والحقد من كل الجوانب، وبقي صامداً مثمراً منتجاً يزيد من ثقته برسالته وأمته ومناضليه ومجاهديه. وسيبقى هكذا ثابتاً صابراً محتسباً حتى تحقيق أهداف الأمة بوجود كل مناضليه الشرفاء في العراق والأمة العربية.