ما من حديث يدور هذه الأيام بين لبناني وآخر، سواء المهتمين منهم بالشأن العام أم النخبة أو حتى البسطاء والعاديين فيهم،إلا وكانت النفايات شغلهم الشاغل كإحدى قضايا الساحة الساخنة التي ما زالت البلاد تتلوث بأوساخها ونتانتها منذ الإعلان عن إقفال مكب الناعمة لسنين خلت، وتفجر هذه المسألة بشكل غير مسبوق حيث تحولت إلى مثار جدل واسع وخلافات متباينة في وجهات النظر التي يجب أن تتناول الحلول الجذرية لها في ظل تكوّن حالة غير مسبوقة أيضاً من انعدام الثقة، تتوسع وتتمدد يوماً بعد يوم، وتساهم في تشكليها: 1- كثرة المنظرين حول البيئة إلى حدود التخمة! وتركهم يطلقون تنظيراتهم جزافاً على الأثير، كل منهم يناقض ما يقوله الآخر ومتسلحاً بما يدعيه من علم ومعرفة وخبرة لا يجد المواطن اللبناني في معظمها وللأسف، سوى جعجعة لا تنتج طحناً. 2- ندرة الحلول الجذرية التي يجب أن تعتمدها الدولة اللبنانية للخروج من هذه الأزمة واضطرارها أمام عجزها هذا، إلى اعتماد حلول ارتجالية ومتسرعة تزيد في الطين بله، وتجعل المواطن أيضاً رهين حجري الرحى التي تدور على نفسها لتدفعه إلى التظاهر والاعتصام وأن يبيت الليالي والأيام بطولها أمام المناطق التي سميت مطامراً لمنع السلطة من اعتماد مكبات عشوائية طارئة وما ستسببه من تلويث للمياه الجوفية للتربة وتسميماً للهواء وللحياة الطبيعية لسكان هذه المناطق. هذه السلطة التي لم تتعظ أمام ما جرى مؤخراً من اعتراضات صاخبة في برج حمود والكوستا برافا والناعمة والجديدة ودير عمار والمنية والضنية وزغرتا وعكار، فإذا بها اليوم تخرج على اللبنانيين بقرار مجلس وزرائها بدمج 1350 مطمراً عشوائياً للنفايات ضمن 250 مطمراًفقط فضلاً عن التوجه نحو اعتماد المحارق أو معامل التفكيك الحراري محددة إياها بثلاثة، الأمر الذي ارجع قواعد الاعتراض الشعبي إلى المربع الأول (وكأنك يا بو زيد ما غزيت) فلم تستفد السلطة من كل ما مضى وتركت ما تنوي إقراره من خططـ رهن الجولات المرتقبة من الشارع الذي فقد كل ثقة بمخطط المحارق بالرغم من التطمينات التي قدمها بعض الوزراء بأنها ستكون خاضعة لأقصى معايير الرقابة والتشدد البيئي، ليتصدى لنقدها مباشرة مسؤول الحملات في منظمة غرين بيس (Green Peace) في الشرق الأوسط وشمال افريقيا معتبراًأن إقرار ثلاثة محارق في لبنان (ستكون كارثة على الشعب اللبناني وستقرر مصيرهم في الأعوام الثلاثين القادمة) وليطالب الحكومة اللبنانية في نفس الوقت بمراجعة هذا القرار واعتماد ما اسماه الخطة البديلة لإدارة النفايات التي ترتكز على مفهوم الاقتصاد الدائري الذي يركز على: - تقليل النفايات التي نتخلص منها إلى الحد الأدنى. - إعادة استخدامها وإعادة تدويرها بدل أن تكون وقوداً للمحارق التي تتطلب المزيد من النفايات وتحول النفايات البلدية إلى رماد سام لا يمكن معالجته. غير أن أخطر ما في الأمر، ما قد نسب إلى وزير البيئة اللبناني قوله: لا نريد بيئة بالتراضي، وما يشكله ذلك من شكوك متزايدة نحو سعي الوزارة الدؤوب لتطبيق خطتها البيئية القائمة على المحارق، مستعينة بتمرير الوقت وبترويض الناس ترهيباً كان ذلك أم ترغيباً للقبول بذلك في نهاية المطاف، وباعتبار ذلك أفضل وأسرع الحلول لديها. ووزارة البيئة بذلك، ومعها الحكومة اللبنانية مجتمعة، قد نسيت أو تناست كل ما طرح من حلول أخرى تعتمد على لا مركزية إدارة النفايات وتسليمها للبلديات سيما وأن معظم البلديات اللبنانية ولا سيما الكبرى منها لديها مصانع تدوير نفايات ومعامل للتسبيخ وهذا جل ما يمكن لاستعانة به فيما لو جرى تعميم ذلك على كل بلديات لبان انطلاقاً من الإجراءات التالية: 1- فرز النفايات من المصدر واعتماد مستوعبات خاصة تستوعب المنزلية منها، والقابلة للتدوير والأخرى غير القابلة لهذا وذاك، علماً أن البلديات مطالبة مع وزارة التربية اللبنانية أيضاً باعتماد أوسع حملات توعية للأهالي وكذلك لتلامذة المدارس الذين يجب أن ينقلون لذويهم إيجابيات ذلك. 2- تجهيز معامل التسبيخ بكل ما يلزم من أدوات للاستفادة من النفايات المنزلية وتدويرها لتصبح سماداً تستفيد منه التربة اللبنانية والمزارع اللبناني بشكل خاص. 3- الاستفادة من تدوير كل ما يتم فرزه من ورق وكرتون وزجاج وحديد ومعادن وبذلك ستفتح أفاقاً جديدة للمصانع اللبنانية ولالاف فرص العمل للبنانيين. 4- أما ما تبقى من مواد غير قابلة للتسبيخ أو التدوير فيمكن اعتماد الطمر لتلك غير الخطرة والسامة الضارة بالتربة تلويثاً وتسمماً. أما الأخرى غير الصحية، خاصة ما ترميه المستشفيات فتلك يبحث في شأنها وفق أراء اختصاصيين. إن لبنان يضم 1039 بلدية (حسب أرقام العام 2016) موزعة على ثمانية محافظات و25 قضاء، وأن أية دراسة جدوى اقتصادية لما يمكن أن تقدمه هذه البلديات على صعيد تدبر أمور نفاياتها بنفسها، ستكشف كم ستعود النفايات بالفائدة على الاقتصاد الوطني عامة، وبتوفير الاففرص العمل لأبناء القرى والبلديات الواقعة ضمن نطاق بلديات لبنان من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال مروراً بالعاصمة والجبل والبقاع، ومن تتوفر له فرصة العمل في قريته وبلديته سيستقر فيها وعائلته ويخفف كل ازدحام في العاصمة والمدن الكبرى، ناهيك عما يتوفر مما تصرفه الدولة على الشركات التي توليها أمر النفايات والمليارات التي تدفع لها وما يرافق ذلك من سمسرات وتلزيمات مشبوهة وفضائح تزكم رئة الوطن. ويبقى السؤال: هل تغيب هذه المعطيات عن حكومة ( إلى العمل ) ومؤتمر سادر؟ أم أن المطلوب الهاءنا عن كل همومنا المعيشية والوطنية والقومية، ليستمر إغراقنا في نفاياتنا وزبالتنا في بلد صار يعز علينا أن نسميهوطناً مع الاعتذار من وطن النجوم وشاعرنا الكبير إيليا أبو ماضي.