في صبيحة عيد الأضحى، ويوم الحج الأكبر، في يوم النحر، كانت الفجيعة خبراً رئيساً على وسائل الإعلام العربية والعالمية، اغتيال الرئيس العراقي صدام حسين، على يد ثُلة من الطائفيين المرتزقة، يرافقهم جنود الاحتلال الأمريكي ورجالات الخامنئي القذر. رحل القائدُ بابتسامة عريضة لن تتكرر بعد أن نطق الشهادتين بثبات وعزيمة، وهو يردد أن الأمة العربية خالدة باقية، وأن الموت لا بد أن يكون لأعدائها. رحل مبتسماً وكأنه يعلمُ أن المكان الذي هو ذاهبٌ إليه أجمل وأروع وأرقى، فأسلم روحه إلى بارئها في مشهد ثبات وعزيمة لن تجد له مثيلاً في عالم العمالة والخيانة، فأغاظ قاتليه وهزمهم حتى في لحظة اغتياله. إن لحظة الاغتيال وما رافقها من هتافات طائفية حقيرة ظهرت بوضوح لم تكن عفوية، بل كانت رسالة من أصحابها ومن أسيادهم المجوس الصفويين، كما أن حضور سفيري أمريكا وإيران خلال عملية الاغتيال، رسالة كشفت التواطؤ الأمريكي، وأن هناك صفقة أمريكية إيرانية تقضي بتسليم العراق لإيران وتحويله إلى محافظة إيرانية، وهو ما يبدو للعيان بعد سنوات طويلة من الاحتلال، حيث تعتبر إيران أن العراق عاصمة الإمبراطورية الفارسية القادمة! ذكر المحامي الأستاذ خليل الدليمي رئيس هيئة الدفاع عن الرئيس صدام حسين في كتابه ( هذا ما حدث ) وجود جنرالات إيرانيين أثناء تنفيذ حكم الإعدام بحق الرئيس الشهيد صدام حسين، من بينهم الجنرال قاسم سليماني، وأنهم خاطبوه باللغة الفارسية، في رسالة فحواها أن مصير العراق أصبح بيد إيران، واليوم فإننا نلمسُ حقيقة أن قاسم سليماني يتصرف بارتياح ويمضي من بغداد إلى حلب فدمشق ومن الموصل إلى بيروت فصنعاء، في حركة يسعى من خلالها لنشر الثورة الخمينية بين أوساط الأرض العربية، فالعراق لم يكن إلا البداية وللقصة تتمة. إن اغتيال الرئيس الشهيد لم يكن حدثاً عادياً عابراً، حدث وانتهى قبل ثلاثة عشر عاماً، وإنما حدثٌ يحمل في حقيقته تداعيات خطيرة، لا يزال العرب يعانون حتى كتابة هذه الكلمات، بسبب تورطهم وتآمرهم على العراق وعلى الرئيس الشهيد، واستهتارهم لمرحلة ما بعد الاحتلال والاغتيال، هذه المرحلة التي شهدت تمدداً للمشروع الفارسي المغلف بالدين وشعائره الفاسدة المنحرفة. لقد غاب عن الكثير من العراقيين والعرب سبب اختيار المبنى الذي تم فيه تنفيذ عملية الاغتيال، لقد اختارت إيران وعملاؤها الشعبة الخامسة من مبنى المخابرات العراقية لتنفيذ جريمتها، لأن هذه الشعبة لعبت الدور الأهم في امداد الجيش العراقي بالمعلومات الحساسة خلال حرب الثمان سنوات. لقد غفل الكثير من العرب أن العراق كان سداً منيعاً في وجه الأطماع الإيرانية والنفوذ الفارسي الصفوي، وحامياً للبوابة الشرقية التي انهارت بعد رحيل النظام الوطني واغتيال الرئيس الشهيد صدام حسين، فانطلقت بعد ذلك جحافل المجوس إلى بلاد الشام ولبنان واليمن بعد أن تمكنت من العراق، ونفذت فيه أبشع الأعمال الانتقامية ثأراً لحرب الثمان سنوات التي تجرع فيها المجوس الصفويين الذل والهوان. كانت الثلاثة عشر سنة التي مرت كافية كي يعرف العرب الكثير من لعبة السياسة، ولكن يبدو للأسف أن ذلك لم يحدث، بالقدر الذي كان يشكله اغتيال الرئيس الشهيد هاجساً لكراسي الحكم، والذي بدا واضحاً فيما عبر عنه أحد الحكام العرب حين خاطب الزعماء قائلاً: ( الدور جاي على كل واحد منكم! ) . لم يكن صدام حسين يتعامل مع الشعب العراقي وفق انتماءات ضيقة طائفية أو عرقية، بل كان يتعامل مع الشعب وفقاً لانتماء وحيد، هو الانتماء للعراق، بعيداً عن أي مسميات أخرى ظهرت بعد الاحتلال الأمريكي الإيراني، وما تبعها من عمليات قتل على الهوية، والمجازر التي ارتكبتها الميليشيات الإيرانية التي قُتل خلالها الآلاف ممن لم يُعرف قاتليهم ليكونوا في خانة " مجهولي الهوية والاثبات". صدام حسين الإنسان الرئيس يُخطئ ويصيب، ولعل من أكثر الخطايا التي ارتكبها إيداعه عشرات الطائرات لدى إيران في إطار ما سُميَ حسن النوايا وطي صفحة الحرب، وهي الطائرات التي سرقها نظام الولي الفقيه ولم يُعيدها للعراق حتى الآن، فإذا كان الرئيس الشهيد يستحق المحاكمة أصلاً، فكان يجب أن يُحاكم في ظل قضاء عراقي شرعي على حسن النوايا تجاه إيران!!. لقد حاكموا الرئيس الشهيد صدام حسين لأنهم يرون لديه طموحات تجعل من العراق بلداً متقدماً ينافس أكثر الدول تقدماً، فضلاً عن أنه يشكل تهديداً مباشراً وكبيراً للكيان الصهيوني، ولذلك استحق صدام حسين الاغتيال لأنه قرر تأميم النفط العراقي، وسعى لتطوير البرنامج النووي العراقي، لأنه سمح للأمية في العراق أن تُغادر بلا عودة، قرروا اغتياله لأنه جعل التعليم مجانياً من الروضة حتى شهادة الدكتوراه، ولأنه جعل العلاج لجميع العراقيين في المشافي العراقية مجانياً رغم الحصار والمؤامرات. استحق صدام حسين الاغتيال لأنه حارب الفساد والفسق والفجور في مدن العراق، ولأنه قصف الكيان الصهيوني بوابل من الصواريخ، ولأنه كان ينادي بحرية الأمة وفلسطين، استحق الاغتيال لأنه وقف شامخاً في وجه أعداء الأمة. لقد ارتكب منفذو عملية الاغتيال أكبر حماقة في تاريخهم، حين اغتالوه بتلك الطريقة، لأنهم لم يدركوا أن تاريخ صدام حسين لايزال يردده العراقيون حتى الآن، ويَحِنُّون إلى ( دكتاتوريته ) . تناسى المجرمون أن العرب ما زالوا، حتى اللحظة، يحنون إلى كبرياء وعنفوان صدام حسين، الذي وقف في وجه طغيان وتكبر عشرات الدول عندما كان العراق عظيماً شامخاً غير خاضع لأي وصاية! بعد كل هذه السنوات على استشهاد الرئيس القائد صدام حسين، ما هو الإنجاز الذي حققته الطغمة الحاكمة الذين جاؤوا على ظهر دبابة أمريكية، وتحت عباءة الولي السفيه؟ هل فعلاً تحرر العراق كما يروجون، أم أنه أضحى تحت احتلالين أمريكي طامع، وإيراني حاقد. لم يكن هدفهم يا سيدي الرئيس صدام حسين اغتيالك، كان هدفهم اغتيال العراق من خلالك!!.