من المؤسف أن تصبح أرض الرافدين -وهي ذات التاريخ -مأوىً للهمجيين ومركزاً لقيادة عملياتهم، فما أن وصلوا العراق مع المحتل الغازي وبدأوا باستنشاق الأوكسجين الذي لم يستنشقوا مثيلاً له في حياتهم، حتى تتحرك فيهم غريزة القتل، ويتحولون إلى ديك منفوش الريش، بعد أن كانوا ضمن قائمة الدجاج. فقط في العراق يكون الإنسان مجهولاً، منسياً، مغيباً، يتساوى فيه الموت مع الحياة، يصبح المواطن رقماً لا فائدة منه. إن العراقيين القتلى، الشهداء، الذين أطلقوا عليهم مسمىً -لا صلة له بالإنسانية-(الجثث المجهولة)، هم عراقيون مختطفون، قامت ميليشيا إيران بقتلهم وتصفيتهم سعياً منها لإفراغ المناطق العراقية من ساكنيها، فالقتلى ينتمون إلى منطقة جرف الصخر والمحاويل والمسيب، اختطفتهم ميليشيا الحشد حينما دخلت مناطقهم، وقامت بتصفيتهم بكل ما تملك من حقدٍ طائفي رخيص. كيف يتم التعامل معها على أنها مجهولة الهوية، وهي لمختطفين معظمهم من المناطق المحررة، ويتم تسليمهم لجهة مدنية لغرض دفنهم، وكل المعلومات تشير أن هذه الجهة من المقربين للحشد الشعبي. أين دور الحكومة في تسليم الجثث-وبعضهم أطفال ونساء، ومعظمهم رجال-إلى ذويهم أو محافظاتهم، أو إلى مفوضية حقوق الإنسان؟ أي ظلم هذا الذي نعيش فيه وأي فوضى؟ ولماذا لم يتم الإعلان عن وجود جثث مجهولة بواسطة الطب العدلي حتى يأتي ذوي المفقودين للتعرف على الجثث، ولماذا لا يتم الإعلان عن الجثث من قبل الجهة التي دفنتهم إلا بعد دفنهم؟ إن "الجثث المجهولة الهوية" تعودُ لرجال ونساء وأطفال، بعضها جثث مقطعة الأوصال، ورغم فداحة الجريمة لم يصدر عن الحكومة بياناً أو تعليقاً أو فتح تحقيق بالأسباب التي راحت هذه الأرواح ضحية لها، ومن هم المجرمون الذين ينفذون هذه المجازر بعيداً عن رقابة الدولة والقانون (إن كان هناك دولة وقانون). لم تمر أيام كهذه على الإنسان العراقي، تُدمر فيها حضارته، وعمرها آلاف السنين، تزهق فيها روحه، بسيوف سلَّها عليهم الأقربون، وبحجة الإنسانية، يدفنون مجهولي الهوية، فماذا بقي من الإنسان العراقي في لعبة الموت هذه؟ لن يتوقف هذا العزف الجماعي على آلة الموت، إلا حين تتحطم الآلات ويموت المايسترو!
